والخفيات، في الأرض والسموات.
وإذا علم المسلم عظمة رقابة الله المطلقة، راقب الله في تصرفاته وعباداته، ومعاملاته، وسائر أحواله، وفي ذلك صلاح دنياه وآخرته، وبلوغه أعلى درجات الإيمان وهو الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
والمراقبة: دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق على ظاهره وباطنه، وحضور القلب بين يدي الله تعالى، وعدم الانشغال عنه، سواء في العبادة أو خارجها، وامتلاء القلب بعظمة الله جل جلاله ومحبته: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)} [الحديد: 4].
وهذا القرب وهذا الدنو من الله تعالى يبث في القلب سروراً عظيماً، وأنساً وفرحاً، وهذا الأنس والسرور يبعث العبد على دوام السير إلى الله عزَّ وجلَّ، وبذل الجهد في طلبه، وابتغاء مرضاته، والتلذذ بعبادته وطاعته.
ومن لم يجد هذا السرور، ولا شيئاً منه، فليتَّهِم إيمانه وأعماله، فإن للإيمان حلاوة، من لم يذقها فليرجع وليقتبس نوراً يجد به حلاوة الإيمان.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأنْ يُّحِبَّ الْمَرْءَ لا يُّحِبُّهُ إلا لِلَّهِ، وَأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ» متفق عليه [1].
والمراقبة من أجلِّ أعمال القلوب، فمتى علم العبد أنه مكشوف أمام الله، وأن حركاته الظاهرة والباطنة قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله، أوجب له ذلك حراسة باطنه عن كل فكر وهاجس يبغضه الله، وحفظ ظاهره عن كل فعل أو قول يسخطه الله، وعبد الله بمقام الإحسان.
ومن راقب الله في سره وجهره، واتقاه في أمره ونهيه، أوصله ذلك بإذن الله إلى مرضاة ربه، والفوز بالجنة. [1] متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (16)، واللفظ له، ومسلم برقم (43).