امتدادًا لنظام بيزنطي؛ لأن والي الحسبة لم يكن أبدًا فرضًا أو واقعًا مختصًّا بأمر السوق فحسب، بل إن نشاطه يمتد، واختصاصاته تتسع لتشمل كل المخالفات التي تقع في المجتمع الإسلامي، ويمكن الاحتساب فيها على عامة المسلمين، وعلى ذوي الجاه والسلطان، وأيضًا على الخليفة نفسه، وهذا ما ينطق به تاريخ الحسبة في النظام الإسلامي، وما يفرضه الحكم الشرعي الخاص بالحسبة".
ونختم هذه الردود بالقول بأن هذا الفهم وهذا الشطط الذي ذهب إليه المستشرقون ومن تابعهم من كُتَّاب المسلمين وغيرهم، هو نتيجة الفهم الضيق لمفهوم الحسبة الشمولي العام في الإسلام، فهم نظروا إلى الحسبة من زاوية ضيقة جدًّا في أن جعلوا مهمة المحتسب مراقبة الأسواق، ومخالفات البيع والشراء، ولا ننكر بأن هذه الأمور مما يحتسب فيه المحتسب، ولكنها لا تشكل من دائرة عمل المحتسب الواسعة إلا مساحة صغيرة.
وقبل أن ننتهي من إتمام الكلام نقول: إن الواقع يشهد بأن ما ذهب إليه هؤلاء الذين شكَّكوا في أصل الحسبة هو العكس؛ فإن الإفرنج الصليبيين قد ثبت أنهم استفادوا من نظام الحسبة، فبعد اتصالهم بالمشرق الإسلامي إبان الحروب الصليبية استفادوا من هذا النظام، ومما يؤكد هذا الكلام ما ذكره الأستاذ زكي النقاش في حديثه عن بلاد الشام بعد تأسيس المملكة الصليبية الأولى في القدس؛ فقد أثبت أن الصليبيين اكتسبوا منصب المحتسب، وعملوا به وطبقوه مع بعض التحويل.
إذًا الحسبة نظام إسلامي أصيل بدأ مع نزول النصوص الشرعية التي جاءت تأمر وتحث على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تولاها النبي -صلى الله عليه وسل م- بنفسه وفعلها خلفاؤه من بعده إلى أن أصبحت من النظم الإسلامية الأساسية في حكومة المسلمين.