وقد توسع الأستاذ رشاد في تفنيد كل ما جاء به الأستاذ لقبال، ومخافة الإطالة نقتصر على ما نذكره، وكان هذان الرجلان -أقصد نقولا زيادة وموسى لقبال- هما أكثر من خاض في أصل نشأة الحسبة، وأنه غير إسلامي.
وممن خاض أيضًا في أصل الحسبة ونشأتها، وادَّعى أن هذا النظام وُجد عند الرومان قبل الفتح الإسلامي لبلاد الشام منير العجلاني؛ حيث قال: "ومن غير المستحيل أن يكون الأمويون قد أقاموا المحتسب الروماني في عمله مدة ما، كما أقروا مثلًا عامل الخراج ابن سرجون، لكننا نستطيع أن نجزم بذلك، ومهما يكن فإن الشام عرفت الحسبة في العهد الروماني، ثم عرفت الحسبة في العهد الإسلامي، وبين الحسبتين على تشابه اختصاصاتهما اختلاف غير قليل في الروح والأساليب، والباحث الفاحص يقف متسائلًا أمام هذا الكلام، يريد الدليل البين على أن مصطلح محتسب قد وُلد قبل الإسلام، ولكن الكاتب لم يسند قوله المتقدم بمرجع يُتعمد عليه، ولعله قد حكم بهذا من خلال اطلاعه على أعمال موظف كان يقوم بمراقبة الأسواق في العهد الروماني يسمى إيدل.
أما الذي تشهد له مصنفات النظم الإسلامية والمعاجم اللغوية فهو أن لفظة محتسب لفظة إسلامية بحتة، ولا يمكن بحال أن نصرفها إلى أصل آخر حتى ولو تشابه المحتسب في بعض وظائفه وواجباته مع موظف الإيدل في العهد الروماني؛ فالتسمية المحتسب لم تأتِ من فراغ، فهي تمثل وتعني طلب الأجر من الله، وهذه غاية عظمى لا توجد في غير عقيدة المسلم، وهي تختلف اختلافًا جوهريًّا عن أي غاية أخرى، وإن وجد -كما قلنا- التشابه في بعض الواجبات والوظائف.
وممن انبرى للرد على هذه المزاعم المشككة في أصل الحسبة ونشأتها الإسلامية الأستاذ الدكتور محمد كمال الإمام حيث يقول: "فلم يكن نظام الحسبة -كما ادعى المستشرقون ومن تابعهم من الكتاب- مستجلبًا من فكرة رومانية، أو