بعذرهم في ذلك، وحقيقة عذرته محوت الإساءة وطمستها، ويتعلق بالصدق والكذب ما يتعلق بالحق والباطل، وله تعلق بهذا.
وعن أبي عبيدة عن ابن مسعود مرفوعًا: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم وشاربوهم؛ فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود، وعيسى ابن مريم، ذلك لما عصوا وكانوا يعتدون".
ومما يدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- عالمية إلى قيام الساعة كما قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان: 1)، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107)، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28)، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف: 158)، وقال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب: 40).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه: ((وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة))، والناس جميعًا مخاطبون أن يعملوا بشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- وينزلوا على حكمها كما قال الله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (الأعراف: 3).
ومقتضى عالمية الرسالة إلى قيام الساعة مع هذا الخطاب أن يكون هناك بيان لكل ما أرشدت إليه هذه الرسالة من خير، وحذرت منه من شر إلى قيام الساعة كذلك؛ إذ إن الله -عز وجل- رحمة منه بعبادة ما كان ليؤاخذهم قبل هذا البيان كما قال سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء: 15)، وقال