نام کتاب : الشورى في الشريعة الإسلامية نویسنده : حسين بن محمد المهدي جلد : 1 صفحه : 248
المبحث الأول
الشورى في الأسرة والمجتمع ومنهجيتها
إذا كانت الشورى تعني عدم الانفراد بالتصرف قبل معرفة ما يقدم الإنسان عليه في أي أمر من الأمور وهي بطبيعتها تستلزم حصول المناقشة في الأمر والحوار فيه وتبادل وجهات النظر حوله والعناية به حتى تظهر المصلحة من خلال الحوار الذي يكون من نتائجه الاستفادة من مزايا القرائح لأن لكل عقل مزية إذ أن من طبيعة الشورى أن تتعدد الآراء وتجول فيه الخواطر والأفكار فيتذكر كل واحد من المستشارين نتاج خاطرته وفكره ثم يعرض على المستشير ما لديه من علم وتجربة وخبرة؛ فإن من خصوصية الشورى أنها نظام يشمل جميع مناحي الحياة وأن المستشير يستفيد من ثمرات العقول حسن التصرف وحسن التدبير وحسن التخطيط, فالشورى حوار ومناقشة, والشورى بحث عن الصواب؛ والشورى أمان من الضلال, والشورى بحث عن المصلحة, والشورى محاسبة وشكوى واستيضاح واقتراح والشورى تدعو إلى التأني في الأمور وإلى الحزم وإلى الدراسة وإلى العلم وإلى رد الأمور إلى نصابها, وتبعث الإنسان وتحثه على أداء الأمانات إلى أهلها، فأضعف الرأي كما قيل ما سمح للبديهة ابتداءً وأقربه إلى الصواب ما تكررت فيه الفكرة وأحكمت فيه الروية فالشورى مجالها فسيح وميدانها واسع, ولهذا جاء في الحديث (ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمورهم) [1] , أي أن الشورى طريق هداية تعصم من الضلال وليست مقصورة ومحصورة على الأمور العامة والهامة فقط, إذ أننا نجد في الأمور الخاصة في كثير من الحاجات ضرباً من رد الأمور إلى أهل الاختصاص, فالذي يريد أن يتداوى لا بد أن يذهب إلى استشاري متخصص من الأطباء, والذي يريد أن يبني داراً أو نحو ذلك لا بد أن يذهب إلى استشاري من المهندسين والبنائين, والذي يريد أن يزرع حقلاً لا بد أن يستشير متخصصين في علوم الزراعة.
وهكذا نجد أن للشورى خصوصية ولست تجد ذلك في أي منهج غير المنهج الرباني الذي جعلها صفة لازمة للمؤمنين حيث يقول جل شأنه (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) فالشورى هي منهج حياة.
أما الشورى العامة في التشريع والوظائف والأمور السياسية فقد أتينا على بيان الشورى من ذلك بما لا مزيد عليه كونه قد كشف الحقيقة وأبانها لمن يبصر ويسمع ويدرك ويتدبر, وإذا كانت الديمقراطية الحديثة تخضع الحاكم لرأي الأغلبية وتمنع السلطة التشريعية من التدخل في شؤون السلطة التنفيذية أو القضائية المحضة عملاً بمبدء فصل السلطات فصلاً نسبياً لا مطلقاً وتعتمد على كون الأمة أو الشعب هو مصدر السلطات فكذلك الشأن في نظام الحكم الشوروي الإسلامي من الوجهة السياسية العلمية فإن الأمة مصدر السلطات بمعنى أن لها حق الاشتراك في نصب الحاكم الذي تريده حاكماً عليها. [2] ولها حق تعيين شكل الحكم الذي يقوم فيها ولها حق تعيين القائمين على الحكم, وحقوق الأمة في الحقيقة ليست إلا حقوق أفرادها وأن كل ما يصدر عن الحاكم من سلطات أو ولايات فمرجعه الأول إرادة الأمة [3]. ويتقيد الجميع بنظام الشريعة ولا يصح للسلطة التشريعية مصادمة أحكام الشريعة, وعلى كل حال فإنه إذا صح لنا أن نسمي الشورى الإسلامية بالديمقراطية الإسلامية والديمقراطية الوضعية بالديمقراطية الغربية فإن هناك كما يقول الدكتور الزحيلي فوراق ثلاثة بين الديمقراطية الغربية والديمقراطية الإسلامية ..
الأول: الديمقراطية الغربية مقترنة بفكرة القومية أو العنصرية وتسايرها نغمة التعصب أو العصبية أما في الإسلام فنظرته إنسانية وأفقه عالمي. [1] - سبق تخريجه. [2] - انظر وهبه الزحيلي - في حق الحرية ص 172. [3] - النظريات السياسية للدكتور - محمد ضياء الدين الريس.
نام کتاب : الشورى في الشريعة الإسلامية نویسنده : حسين بن محمد المهدي جلد : 1 صفحه : 248