نام کتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 724
وكان عبد الله بن رواحة آخذًا بزمام راحلته وهو يرتجز بشعره:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير في رسوله
يا رب إني مؤمن بقيله ... أعرف حق الله في قبوله
ضربًا يزيل الهم عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله (1)
وكان مظهرًا دعويًّا مؤثرًا عندما بدأ الموكب النبوي الكريم يقترب من بيوت مكة المكرمة، وأبنيتها شاقًّا طريقه باتجاه الكعبة المشرفة, وهم في مظهرهم المهيب، وأصواتهم تشق عنان السماء بالتلبية، فقد ذكرت معظم كتب السير والمغازي أن قسمًا من أهالي مكة خرج إلى رءوس الجبال لينظر إلى المسلمين من الأماكن العالية، والقسم الأكبر وقف عند دار الندوة المجاورة للكعبة الشريفة آنذاك، ليشاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام أثناء دخولهم مكة المكرمة، وبيت الله الحرام [2].
وكان المشركون قد أطلقوا شائعة ضد المسلمين مفادها أنهم وهنتهم [3] حمى يثرب, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا في الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين [4] , لكي يرى المشركون قوتهم، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت الحرام واضطبع [5] بردائه فأخرج عضده اليمنى وشرع في الطواف, وأصحابه يتابعونه ويقتدون به. ولما رأى المشركون ذلك قالوا: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا [6].
وقد قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة التي فعلها عند دخوله المسجد الحرام وهي الاضطباع والهرولة، ورفع الأصوات بالتلبية، أن يرهب قريشًا، وأن يظهر لها قوة المسلمين وعزيمتهم وتمسكهم بدينهم، ومناعة جبهتهم، وقد أثر هذا الأسلوب في نفوس المشركين [7] , وبهذا الأسلوب النبوي الكريم أغاظ الرسول صلى الله عليه وسلم المشركين وكايدهم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يتقرب إلى الله بمكايدتهم وإغاظتهم، ففي غزوة أحد أذن صلى الله عليه وسلم لأبي دجانة أن يمشي متبخترًا أمام المشركين لإظهار عزة المؤمن؛ ولأن ذلك يغيظ المشركين، وزيادة في إغاظتهم كان يلبس العصابة الحمراء دون أن ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك. وفي غزوة الحديبية ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهدي جمل أبي جهل الذي غنمه في بدر، ليراه المشركون فيزدادوا غيظًا حين يذكرون مصارع قتلاهم وذل
(1) انظر: صحيح السيرة النبوية، ص481. [2] انظر: منهج الإعلام الإسلامي في صلح الحديبية، ص314. [3] أضعفتهم. [4] البخاري، كتاب المغازي، (5/ 6)، رقم 4256. [5] الاضطباع: هو أن يدخل بعض رداءه تحت عضده اليمنى ويجعل طرفه على منكبه. [6] صحيح السيرة النبوية، ص481. [7] انظر: منهج الإعلام، ص315.
نام کتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 724