3 - العلم الذي يسمى بصفة عامة بالعلم اللدني، وهذا العلم ثمرة العبودية ونتاج اتباع الأحكام الحقة، حينما ترسخ مادة الانقياد التام وترقى رغبة الاستنارة بمشكاة النبوة تنفتح المعارف الإيمانية والحقائق الأصلية التي لا يصل إليها خيال أهل المنطق والفلسفة من عند الكريم الجواد المطلق. وهذا العلم دليل نفسه ومدلول غيره.
ولابد هنا من وقفة لتنبيه المعارضين والمعترضين الذين يرددون القول بأن الإسلام نشر بقوة السيف.
تأملوا كيف جعل النبي (ص) العلم سلاحه وجعل الفتوح العظيمة التي حصلت له ثمار العلم فالحقيقة أن مفخرة نبي الله (ص) ليست هي الاستيلاء على بنايات الجص والطوب والحجر والخنادق، فمثل هذه اللعبة قد عرضت أمام العالم كثيرا من جانب الاسكندر وتيمور وهولاكو وبونابرت إلا أن ما تفرد به نبي الله (ص) هو أنه كان يفتح
حصون القلوب ويستولي على الطبائع.
وقد شهد الناس يوم خيبر الجيش الإسلامي يفتح بعض حصون اليهود الذين أشعلوا نيران العداوة والحرب ضد المسلمين في طول البلاد وعرضها، وفد في تلك الأيام على النبي (ص) رؤساء بلاط ملك الحبشة ممن دخلوا في الإسلام، وفي تلك الأثناء أيضا جاء عدة مئات من المسلمين من اليمن، وقد أراد الله تعالى بذلك أن يرى اليهود بأم رؤسهم أنهم يعتمدون في عدائهم لله ولرسوله على حصون الطوب والحجر في تجبرهم واستكبارهم على النبي (ص)، بينما دخل علمه (ص) وراء البحر في الحبشة. ورفرفت رايته على قمم جبال اليمن، مع العلم بأن هذه البلاد لم تخضع قط للحجاز.
والحبشة هي البلد التي فتح جنرالها أبرهة الأشرم اليمن، ثم خرج مع ستين ألفا من الجنود لفتح مكة وهدم الكعبة المشرفة، فألقى رحله على بعد أربعة أميال من مكة. ووقعت الواقعة التي ذكرها القرآن الكريم بواقعة أصحاب الفيل قبل مولد النبي (ص) بخمسين يوما فقط [1].
وما أدرى هؤلاء المهاجمين أن مليكهم سوف يتمنى في يوم من الأيام الخضوع للنبي [1] ابن هشام 47/ 1.