فنقول له: ما هي العلة الأولى في إيجاد الذراتِ الأولى المتفاعلة؟ وما علةُ التفاعل الذاتي؟ فإن قال: العلة في ذلك الذرات ذاتها, أي أنها أوجدت نفسها ثم تفاعلت لتوجد الكون. قلنا له: إن هذا هو الدور الممنوع ذاته, لأنك جعلت الشيء علة لوجود غيره وهذا الغير علة لوجوده هو في ذاته, حيث إنه لما كان في العدم المطلق, كان وجوده متوقفا على أن يخرج من العدم, فإذا خرج أصبح علةً لا يجاد نفسه. ثم نقول له: إنك قلت إن الكونَ محدثٌ غير أزلي, فكيف يكون المحدث علةً لنفسهِ وهو لم يكن موجودا من قبلُ, والعدم المحض ُلا يوجِدُ شيئا. فإن الشيءَ يمتنع أن يكون خالقا ومخلوقاً في الوقت نفسه!!!!
رابعا: قانون العلَّة:
إن التخصيصَ والنظامَ يدلان على العلةِ والحكمةِ من وراء ذلك التخصيص والنظام. ولا يعقَلُ أن توجدَ علةٌ أو حكمةٌ بدون مؤثرٍ مدبرٍ لها, فلو قلنا: إنَّ هذه الشمس إنما وجدت اتفاقا،وليس من وراء وجودها حكمة, وكلُّ ما تقوم به من وظائف َحياتيةٍ في الكون إنما جاءت بطريقِ الاتفاقِ ومحضِ الصُّدفةِ. لو قلنا ذلك لما شك أحدٌ -في عصرنا الحاضر- في جنونِ القائلين به. كما أننا لو قلنا لعالم في وظائف الأعضاء: إن الأجهزةَ العضويةَ في الإنسان مثل المخ والكبد والبنكرياس وغير ذلك إنما جاءت اتفاقا وتهيأت لوظائفها صدفة لما شكَّ ذلك العالم لحظة في جنوننا. فإذا كنا نستنكر أن تكون هذه الجزئيات قد وجدت اتفاقا, فكيف نصدِّقُ من يقول: إن الكون بكل موجوداتهِ قد وُجد اتفاقا. وأن النظام الذي فيه ليس له مدبرٌ من ورائهِ، وأن الأحداثَ المعللة والحكم النافذةَ في أجزائهِ قد جاءت اتفاقا بدون قصدٍ لغايتها؟ هل يُعقل أن يكون مثل هذا الكون المعجزِ في نظامهِ وترتيبهِ وضبطِ مقاديرهِ قد وُجِدَ عبثاً, وأن كل تلك الدقة قد جاءت اتفاقا؟؟!!.
إن المصدق لهذا يكون كالمصدِّقِ لمن يقول له: إنه لو أتينا بستةٍ من القرود وأجلسناها إلى ست آلاتٍ طابعة لملايين السنين، فإنه لا يستبعد أن يخرج لنا أحدُها بقصيدةٍ رائعة ٍمن روائعَ المتنبي مثلا. هل تصدق هذا القائل؟ إنه- بلا شك - أعقلُ من القرود الستة,