الطبيعية. والمفاصلة بين حزب اللّه وحزب الشيطان هي الأمر الذي لا ينبغي غيره للأمة التي اختارها اللّه للدور الكوني الذي كلفها إياه. (1)
إن الوشيجة التي يتجمع عليها الناس في هذا الدين وشيجة فريدة تتميز بها طبيعة هذا الدين، وتتعلق بآفاق وآماد وأبعاد وأهداف يختص بها ذلك المنهج الرباني الكريم.
إن هذه الوشيجة ليست وشيجة الدم والنسب وليست وشيجة الأرض والوطن، وليست وشيجة القوم والعشيرة، وليست وشيجة اللون واللغة، وليست وشيجة الجنس والعنصر، وليست وشيجة الحرفة والطبقة ..
إن هذه الوشائج جميعها قد توجد ثم تنقطع العلاقة بين الفرد والفرد كما قال اللّه سبحانه وتعالى لعبده نوح - عليه السلام - وهو يقول: «رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي» .. «يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ» ثم بين له لماذا يكون ابنه .. ليس من أهله .. «إنه عمل غير صالح» .. إن وشيجة الإيمان قد انقطعت بينكما يا نوح: «فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ» فأنت تحسب أنه من أهلك، ولكن هذا الحسبان خاطئ. أما المعلوم المستيقن فهو أنه ليس من أهلك، ولو كان هو ابنك من صلبك!
وهذا هو المعلم الواضح البارز على مفرق الطريق بين نظرة هذا الدين إلى الوشائج والروابط، وبين نظرات الجاهلية المتفرقة .. إن الجاهليات تجعل الرابطة آنا هي الدم والنسب وآنا هي الأرض والوطن، وآنا هي القوم والعشيرة، وآنا هي اللون واللغة، وآنا هي الجنس والعنصر، وآنا هي الحرفة والطبقة! تجعلها آنا هي المصالح المشتركة، أو التاريخ المشترك. أو المصير المشترك .. وكلها تصورات جاهلية - على تفرقها أو تجمعها - تخالف مخالفة أصيلة عميقة عن أصل التصور الإسلامي! والمنهج الرباني القويم - ممثلا في هذا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم وفي توجيهات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي من هذا القرآن وعلى نسقه واتجاهه - قد أخذ الأمة المسلمة بالتربية على ذلك الأصل الكبير .. والمعلم الواضح البارز في مفرق الطريق .. وهذا المثل الذي يضربه في هذه السورة من
(1) - في ظلال القرآن للسيد قطب - ت- علي بن نايف الشحود [ص 4380]