ومنهم من يثبت الأفعال لكن يقول: إنها لا تتعلق بها المشيئة، وهم الكلابية، فيقولون: إنه يتكلم ويغضب ويرضى لا بمشيئة؛ بل هذه الصفات قديمة، فهو لم يزل متكلما، وغاضبا عن من هو أهل للغضب، وراضيا عن من هو أهل للرضا.
والأشاعرة ينفون، ولا يثبتون إلا الصفات السبع على ما في إثباتهم من تذبذبٍ واضطراب.
والجهمية، والمعتزلة يقولون: إنه صار متكلما بعد أن لم يكن ـ ليس متكلما بمعنى أنه يقوم به الكلام ـ بل يريدون أنه خلق كلاما؛ لأن الكلام عندهم مخلوق، والقرآن مخلوق، وصار فاعلا بعد أن لم يكن، وليس معنى ذلك أنه يقوم به الفعل، وأنه يفعل فعلاً يقوم بذاته، ولهذا يقول ابن القيم في الشافية الكافية [1] عن الجهم:
وَقَضَى بِأنَّ الله لَيسَ بفاعِلٍ * ... فِعلاً يَقومُ بِه بِلاَ بُرهَانِ
فقضى بأن الله ليس بفاعل فعلا يقوم به؛ بل الفعل عند جهم، والمعتزلة، والأشاعرة هو نفس المفعول.
والحق المعقول أن الأمور ثلاثة: (فعل، وفاعل، ومفعول) فالمفعول يقتضي فاعلا، وفعلا يقوم به، هذا هو الشيء البدهي المعقول، ولا يعمى عن هذا إلا من لُبِّس عليه، وغُرست في قلبه الشبهات، وعاش على التقليد، والتبعية.
وهؤلاء الجهمية، والمعتزلة، ومن تبعهم في نفي قيام الأفعال الاختيارية به سبحانه وتعالى قالوا: إنه يجب أن تكون لجنس المخلوقات بداية، وقبل هذه البداية يمتنع دوام الحوادث، أو تسلسل المخلوقات، أو دوام المخلوقات، أو حوادث لا أول لها، قالوا: هذا مستحيل، ممتنع لذاته، وإذا كان دوام الحوادث ممتنعا فالرب تعالى غير قادرٍ على أن يخلق في الأزل! [1] ص 26.