قوله: (وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر عز وجل في كتابه: ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [النساء: 48]، وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته).
أي: في الآخرة هم في مشيئة الله وحكمه، يحكم فيهم بما شاء، وهو الحكيم العدل الجواد المتفضل سبحانه وتعالى، وإذا كانوا تحت مشيئة الله فالأمر محتمَل؛ فإما أن يغفر الله لهم ويدخلهم الجنة بلا عذاب، وإما أن يعذبهم بالنار حسبما تقتضيه حكمته ومشيئته، ثم يخرجهم منها برحمته وبشفاعة الشافعين من أهل الطاعات، والدليل على هذا قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [النساء: 48] ودلت هذه الآية على أن الذنوب قسمان:
قسم لا يُغفر، وهو الشرك الأكبر، ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)) [النساء: 48] خص الشرك بأنه لا يغفر. وقسم دون الشرك ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [النساء: 48] وقيَّد غفرانه بالمشيئة.
ويشكل على ظاهر هذه الآية قوله تعالى: ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً)) [الزمر: 53] فيها الإطلاق والتعميم، فعم حيث قال: ((جَمِيعَاً))، وأطلق حيث لم تقيد هذه المغفرة بالمشيئة.
فالتعارض بين الآيتين ظاهر، في آية الزمر عم وأطلق، وفي آية النساء خص وقيد.
والجمع بين الآيتين: أن آية النساء في شأن من لم يتب، وآية الزمر في التائب، فمن تاب تاب الله عليه، ومغفرة الذنوب بالتوبة جاءت مطلقة غير مقيدة، فلا نقيدها، ولا نقول: إن من تاب تاب الله عليه إذا شاء، فمن تاب توبة نصوحا تاب الله عليه، وعدا لا يخلف ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمَاً حَكِيمَاً)) [النساء: 17]، فمن لم يتب إن كان ذنبه