فأما النفي الذي لا يتضمَّنُ ثبوتا؛ لا يدخل في صفاته تعالى، بل كلُّ نفيٍ في صفاته فإنه مُتضمِّنٌ لإثبات، فنفي إدراك الأبصار له يتضمَّنُ إثباتَ كمال عظمته سبحانه، فلِكمالِ عظمته لا تُدركه الأبصار.
إذًا؛ فهذا نفي مُتضمِّن لإثبات مدح، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «ومعلوم أن كونه الشيء لا يُرى ليس صفة مدح؛ لأن النفي المحض لا يكون مدحا إن لم يتضمن أمرا ثبوتيا؛ ولأن المعدوم لا يُرى، والمعدوم لا يُمدح، فعلم أن مجرد نفي الرؤية لا مدح فيه» [1].
أما الآيات؛ التي فيها إثبات الرؤية فإنهم يُحرِّفونها، فأظهر آية في الدلالة على إثبات الرؤية: ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)) [القيامة: 23] قالوا: ناظرة إلى ثواب ربها، أو يُفسِّرون النظر بالانتظار!
وتقدم [2] إن هذا لا يتفق مع قاعدة اللغة.
وقد جاء في الحديث: تشبيه رؤية المؤمنين لربهم برؤية الشمس والقمر، فالمشبَّه والمشبَّه به هو الرؤية، فشبَّهَ الرؤية بالرؤية، ولم يُشبِّه المرئي بالمرئي، فلا يُقال: إن الله تعالى كالشمس والقمر، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنكم سترون ربكم كما ترون) يعني: ترون ربكم رؤية كرؤيتكم للشمس والقمر، ووجه الشبه بين الرؤيتين:
أولا: إنها رؤية بصرية لا علمية، ونفاة الرؤية يفسرون هذه الرؤية بالرؤية العلمية، ـ أي ـ يزداد علمهم بالله يوم القيامة، لا أنهم يرونه بأبصارهم.
ثانيا: إنهم يرونه في العلو كما يُرى القمران في العلو.
ثالثا: إنها رؤية من غير إحاطة، فالمؤمنون يرون ربهم يوم القيامة من غير إحاطة، كما أن الناس في الدنيا يرون الشمس والقمر من غير إحاطة. [1] منهاج السنة 2/ 319. [2] ص 113.