ومما يؤيد كون المراد كثرة العمل وقلته، لا بالنسبة إلى طول الزمان، وقصره: كونُ أهل الأخبار متفقين على أن المدة التي بين عيسى ونبينا -صلى الله عليه وسلم- دون المدة التي بين نبينا -صلى الله عليه وسلم- وقيام الساعة؛ لأن جمهور أهل المعرفة بالأخبار قالوا: إن مدة الفترة بين عيسى ونبينا -صلى الله عليه وسلم- ستمائة سنة، وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سلمان، وقيل: إنها دون ذلك؛ حتى جاء عن بعضهم أنها مائة وخمس وعشرون سنة، وهذه مدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك، فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصَرهما؛ للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظهر، ولا قائل به؛ فَدَلَّ على أن المراد كثرة العمل وقلته، والله -سبحانه وتعالى- أعلم " [1] اهـ.
وخلاصة القول في هذا: أن هذه الأحاديث إنما تدل على أنه ما بقي بالنسبة لما مضى شيء يسير، لكن لا يعلم مقدار ما مضى وما بقي إلا الله تعالى، ولم يَجِئْ فيه تحديد يصح سنده.
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: "مدةُ الماضي من الدنيا إلى بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومدةُ الباقي منها إلى يوم القيامة لا يعلمُهُ على الحقيقةِ إلاَّ اللهُ -عز وجل-، وما يُذْكَرُ في ذلكَ؛ فإنَّما هو ظنون لا تفيدُ علمَا" [2]. اهـ
(1) "فتح الباري" (2/ 40).
(2) "فتح الباري" لابن رجب (4/ 344).