والمذنب إذا وقع في الذنب، فهو أحد صنفين،: إما أن يتمادى في الذنب ويستكبر عن الرجوع، وهذا من علامات الشقاء في الدنيا والآخرة، إذ التوبة واجبة {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً} هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، وهذا محل وفاق بين أهل العلم، ومحل وفاقٍ أنها على الفور، يعني لا تُؤخر، إذا وقع في الذنب نقول: هذا الذنب من طبيعة البشر، لكن ماذا تفعل؟ غدًا أذهب إلى الحرم وأطوف وأستغفر، وإلا أنتظر إلى الحج وأحج ويعفو الله عما مضى، أو اعتمر، نقول: لا منذ أن يقع في الذنب فيتذكر، حينئذ نقول: وجبت التوبه على الفور، فإن أخر وقع في معصيةٍ أخرى، إذا اغتاب الآن وقع في غيبة، أستغفر الله مباشرة، أتوب إلى الله، غدًا. لا. إذا أخر إلى الغد نقول: تأخيرك هذا اوقعك في معصية أخرى، فعليك ذنبان، تتوب من الذنب، وتتوب من ذنب آخر وهو تأخير التوبة، وكونه للفور أصل المذهب الصحيح عند الأصوليين أن إفعل للفور، فحينئذ {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً} نقول هذا للأمر وهو يقتضي الوجوب، ثم يدل على الفورية وهذا محل وفاقٍ بين أهل العلم في التوبة على جهة الخصوص، وهذا من علامات أهل الشقاء في الدنيا والآخرة، إذ التوبة واجبة من الذنب على الفور، ومنهم من إذا وقع في الذنب استغفر ورجع وأناب، وهذا ممن قال الله فيهم {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. إذا أتى بهذه العناوين الثلاث: [مِمَّنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أذَنبَ اسْتَغْفَر] حينئذ صار من أهل السعادة في الدنيا والآخرة، وهذه الجمل عظيمة، تحتاج إلى تأمل وإلى ملازمة حال، والنظر فيها وتقليبها، وهل الإنسان من أهلها أم من ضدها، فإن (الفاء) هذه للتعليل، (إن) حرف توكيد ونصب، حينئذ أكد هنا لأن هذه الجمل قد يأخذها بعض الناس بأنها كأنها لم تكن شيئًا، لم يستحضر في قلبه ويهز قلبه أن هذه الجمل الثلاث على حقيقتها، وأن السعادة مرتبطة بها وأنها متلازمة، حينئذ نزَّله المصنف منزلة المتردد في قبول هذا الحكم، فأكد له الخبر. بماذا؟ بمؤكدٍ واحد، وإلا الأصل أنه خالي الذهن لا يؤكد له بمؤكدٍ واحد
فإن تخاطب خالي الذهن مني ... حكمٍ ومن ترددٍ فلتغتني
عن المؤكدات .............. ... .......................