الحيوان، وبالتالي أكل اللحوم، ولعل لهذا صلة بصوم المسيحيين عما فيه روح، فأغلب الظن أن صوم المسيحيين على هذا الوجه انحدر لهم من الفكر الجيني، ويبالغ الرهبان في الحيطة والحفاظ على ما فيه روح فيمسك بعضهم بمكنسة ينظف بها طريقه أو مجلسه؛ خشية أن يطأ حشرة فيها روح فيؤذيها أو يقلتها، ويضع بعضهم غشاء على وجهه يتنفس خلاله حتى لا يستنشق أي كائن حي وهو يلتقط أنفاسه.
ولا بد للنجاة كذلك من قهر جميع المشاعر والعواطف والحاجات، ومؤدى هذا أن لا يحس الراهب بحب أو كره، ولا بسرور أو حزن، ولا بحر أو برد، ولا بخوف أو حياء، ولا بجوع أو عطش، ولا بخير أو شر، والجيني بذلك يصل إلى حالة من الجمود والخمود والذهول، فلا يشعر بما حوله، ودليل ذلك أن يتعرى فلا يحس بحياء، وينتف شعره فلا يتألم، لأنه لو أحس بما في الحياة من خير وشر أو نظم متفق عليها، فمعنى هذا أنه لا يزال متعلقًا بها، خاضعًا لمقاييسها، وهذا يبعده عن النجاة.
ولما كان أبرز ما في هذا التنظيم هو العري والجوع حتى الموت؛ سميت الجينية دين العري، ودين الانتحار.
العري والانتحار في الجينية: وعلى فكرة العري يقول أحد علماء الجينية في محاضرة له عنها: يعيش الرهبان الجينيون عراة؛ لأن الجينية تقول: ما دام المرء يرى في العري ما نراه نحن فإنه لا ينال النجاة؛ فليس لأحد أن ينال نجاة ما دام يتذكر العار، فعلى المرء أن ينسى ذلك بتاتًا ليتمكن من اجتياز بحر الحياة الزاخر، فطالما تذكر الإنسان أنه يوجد خير أو شر، حسن أو قبح، فمعناه أنه لا يزال متعلقًا بالدنيا وبما فيها، فلا يفوز بمشكا -أي: النجاة-.