ذلك في مدينة عظيمة حيث يراه الكثيرون، ويؤمنون ويهتدون، فأجاب السيد في مثل هذا المكان يا حبيبي "أنندا" شعرت بأعمق السكينة في نفسي، هذه الشجيرات هي التي تنشرح روحي بجوارها، ودخل السيد الغابة، وتعمق هو ومريدوه حتى وصلوا مكانًا ترتفع أمامه قمم "هيمالايا" الشاهقة المكللة بالثلج.
واختار السيد مكانًا بين دوحتين باسقتين، واستلقى على جنبه في إجهاد ظاهر، وتعب واضح، وأسح "أنندا" بأن السيد يقرب من النهاية، فانتحى ناحية وأخذ يبكي فطلبه السيد فجاءه وجلس بجواره، فقال له السيد: ألم أقل لك مرة بعد مرة إن الأشياء كلها لا ثبات لها، ألم أبين لك أن الأشياء التي نهواها لقربها منا هي التي يجب أن نقطع علاقتنا بها؛ لأن زوالها، أو الحرمان منها يورثنا الألم والحزن، وبات السيد تلك الليلة كلها يحرك عجلة العرفان أمام تلاميذه راقدًا رقدة الأسد تحت الشجرتين.
وقد جاء كثير من الناس وتلقوا العلم عنه، وعند فلق الصبح، قال المبارك: قد يقول بعض منكم قبل نهاية اليوم لقد ذهب السيد عنا، وليس لنا معلم، كلا لا تقولون ذلك؛ فإني أترككم على المنهاج المعبد المستقيم الملون، اسمعوا معلمكم بعد ذهابي هو الشريعة والجمعية، ثم استوى جالسًا يرنوا إلى الجبال الشاهقة البيضاء، وقد سمعوه يتنفس الصعداء، والطمأنينة بادية على وجهه، وبعد قليل أخذ ينشد أنشودة البيت المتضالع:
من بيت وراء بيت سجنني ... ومن رسالة إلى رسالة أرسلني