وقد بين الأنباري ضعف الاستدلال بالاستصحاب في مسألة "نِعم" و"بئس"؛ إذ ذهب البصريون إلى أنهما فعلان واستدل بعضهما على فعليتهما باتصال الضمير بهما على حد اتصاله بالفعل المتصرف؛ فإنه جاء عن العرب قولهم: نعما رجلين ونعموا رجالًا؛ كما استدل بعضهم على فعليتهما باتصالهما بتاء التأنيث الساكنة كقولهم: نعمت المرأة هند، وبئست الجارية دعد؛ فهذه التاء يختص بها الفعل الماضي لا تتعداه.
ومن البصريين من ذهب إلى أن "نِعم" و"بئس" فعلان مستدلًّا على فعليتهما بأن قال: الدليل على أنهما فعلان ماضيان: أنهما مبنيان على الفتح، ولو كانا اسمين لما كان لبنائهما وجه؛ إذ لا علة ها هنا توجب بناءهما ... انتهى.
ولم يرتضِ الأنباري الاستدلال بهذا الدليل الأخير؛ لأنه استدلال بالاستصحاب؛ فقال: وهذا تمسك باستصحاب الحال، وهو من أضعف الأدلة، والمعتمد عليه ما قدمناه، أي: أن المعتمد عليه في إثبات فعلية "نعم" و"بئس": هو اتصال الضمير المرفوع بهما كما يتصل بكل فعل متصرف، واتصالهما بتاء التأنيث الساكنة.
وخلاصة القول: أن الاستصحاب من أدلة النحو عند الأنباري ما لم يوجد دليل غيره؛ فإن وجد دليل غيره كان الاستدلال به ضعيفًا.
الاعتراض على الاستدلال بالاستصحاب
لقد ذكر الأنباري أن أدلة النحو الغالبة ثلاثة أدلة، وهي: النقل، والقياس، واستصحاب الحال، وكل دليل من هذه الأدلة الثلاثة يمكن الاعتراض عليه؛ ولذلك عقد في كتابه (الإغراب في جدل الإعراب) ثلاثة فصول، تناول فيها الاعتراض على أدلة النحو الغالبة مبينًا كيفية الجواب عما يمكن أن يرد على هذه الأدلة من اعتراضات: