فدخلوا وفيهم أبو فَقْعَس، وأبو زياد، وأبو الجراح، وأبو ثروان، فسُئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه، فتابعوا الكسائي، وقالوا بقوله.
فأقبل يحيى أو الكسائي على سيبويه فقال: قد تسمع أيها الرجل، فاستكان سيبويه أي: خضع، وأقبل الكسائي على يحيى فقال له: أصلح الله الوزير إنه وفد عليك من بلده مؤمِّلًا، فإن رأيت ألا تردَّه خائبًا، فأمَر له بعشرة آلاف درهم، فخرج سيبويه وصير وجهه إلى فارس، وأقام هناك إلى أن مات، ولم يعد إلى البصرة". وقد اجتمعت كلمة العلماء المنصفين على أن سيبويه قد خُذل في هذه المسألة ظلمًا وعدوانًا، وذكروا أن الحق كان مع سيبويه، وأن ما قاله هو الحق الذي له وجهه الموافق لما في القرآن الكريم من وقوع الجملة الاسمية بعد إذا التي للمفاجأة نحو قوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} (الأعراف: 108)، وقوله عز وجل: {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} (طه: 20).
وقال ابن الشجري في أماليه: "وإنما أنكر سيبويه النصب؛ لأنه لم يره مطابقًا للقياس، ولم ير له وجهًا يُقارب الصواب، ولما لم يظفر الكسائي بحجة قياسية يدفع بها إنكار سيبويه للنصب؛ كان قصاراه الالتجاء إلى السماع، والتشبث بقول أعراب أُحضروا، فسئلوا عن ذلك، وكان للكسائي بهم أَنَسَة، وسيبويه إذ ذاك غريب طارئ عليهم، وذكر قوم من البصريين أن الكسائي قد جعل لهم جعلًا استمالهم به إلى تصويب قوله، وقيل: إنما قصد الكسائي بسؤاله عما علم أنه لا وجه له في العربية، واتفق هو والفراء على ذلك ليخالفه سيبويه، فيكون الرجوع إلى السماع، فينقطع المجلس عن النظر والقياس" انتهى.
وقال ابن هشام: "يقال: إنهم -أي: العرب الذين استشهد بهم الكسائي- قد أُرشوا على ذلك، أو إنهم علموا منزلة الكسائي عند الرشيد، ويقال: إنهم إنما