النحوي البصري الذي يُمثل نقطة تحول في تاريخ الدراسات النحوية، وفيه يقول ابن سلام: "كان أول من بعج النحو -أي: فتقه-، وفصل القول فيه، ومد القياس، وشرح العلل". انتهى. وكان يقال: عبد الله أعلم أهل البصرة وأعقلهم، ففرع النحو وقاسه، وتكلم في الهمز حتى عُمل كتاب مما أملاه، وكان رئيس الناس وواحدهم، وتلا ابن إسحاق أهم تلاميذه وهو عيسى بن عمر الثقفي البصري، المتوفى سنة تسع وأربعين ومائة من الهجرة، وقد مضى على درب أستاذه مولعًا بالقياس والتعليل، لكنه كان إلى جانب هذا مولعًا كذلك بالغريب والتشادق، والتقعر في كلامه، وهو صاحب كتابي (الجامع) و (الإكمال)، وقد نوَّه عن فضلهما الخليل بقوله:
ذهب النحو جميعًا كله ... غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع ... فهما للناس شمس وقمر
وهما بابان صارا حكمة ... وأراحا من قياس ونظر
وقد اندثرا ولم يصلنا منهما شيء، وذكر صاحب (المدارس النحوية) أن عيسى بن عمر كان مثل ابن أبي إسحاق يطعن على العرب الفصحاء إذا خالفوا القياس، وهو الذي مكَّن للنحو وقواعده التي اعتمد عليها تلميذه الخليل، ومن تلاه من البصريين؛ سواء في محاضراته وإملاءاته، أو في مصنفاته، وقد توفي تاركًا للخليل جهوده النحوية؛ كي يتم صرح النحو، ويكمل تشييده.
وننتقل من عيسى بن عمر إلى تلميذه الخليل بن أحمد، الذي وصف الدكتور مازن المبارك صاحب (النحو العربي)، وصف عصره بأنه ذروة البناء النحوي بما اتصف به من شمول وإحاطة وبراعة في استعمال القياس، وكان أعظم النحويين حظًّا، وأبعدهم أثرًا بما ترك من أثر رائع في كتاب سيبويه، وقد عزا الزبيدي عدم