لأن بالنحو يستطيع أن يميز الكلام بعضه عن بعض، ويقع التفاهم - كما هو معلوم - والتخاطب بالكلام، وتميز الكلام بعضه عن بعض إنما يكون بواسطة النحو وهذا أهم، ونظر طالب العلم الشرعي في النحو أحوج لماذا؟ لأنه أمس به من المفردات ولا غنى عن العلم بالمفردات، فحينئذٍ شاع عند المتأخرين تقديم النحو على الصرف وهذا أنسب لطالب العلم، وأنسب من حيثية أخرى في عصرنا هذا أن الطالب لو نظر في النحو ثم مل فترك حينئذٍ يكون قد حصل شيئًا مما يحتاجه الكتاب والسنة، لكن لو نظر في الصرف أولاً والصرف من المعلوم أنه أصعب بكثير جدًا من النحو وعليه من استصعب النحو مباشرة سيكون الصرف عنده من الصعوبة بمكان.
فإذا نظر في الصرف ثم ترك مل حينئذٍ سيفوته كثير من النحو، ولذلك النظر في النحو أولى من النظر في الصرف.
قبل الشروع في الكتاب هذا لا بد من مقدمة أولها
نعرف ما حقيقة الصرف والتصريف.
وما موضوع فن الصرف.
وما حكمه في الشرع.
ثم نختم بالمقدمة الرابعة وهي ميزان الصرف.
وهذه لا بد لها من فهم؛ لأن الكتاب إذا لم تذكر هذه الأمور لن يفهم، وبعد ذلك سنسير إن شاء الله طريقتي في الشرح ستكون متوسطة لكن الليلة تصبرون عليَّ إن شاء الله.
نقول: الصرف والتصريف هذان لفظان مترادفان عند المتأخرين، أما معناهما من جهة اللغة يعني في لسان أهل اللغة فلها معانٍ تجمعها أو مدارها على التغيير والتحويل، ولذلك شاع أن الصرف هو التغيير وعند بعضهم هو التحويل لكن كل المعاني التي تدور هذه المادة حولها هي التغيير والتحويل، ولذلك قالوا: تصريف الرياح. أي: تغيرها من حال إلى حال ومن جهة إلى جهة، وتصريف الأمور يعني: تغيرها وتحويلها من حال إلى حال، وتصريف المياه ونحو ذلك. وقالوا أيضًا: صرفت فلانًا عن وجهه إذا حولته وغيرته عن جهة ما إلى جهة أخرى وصرفت الصبيان وصرف الله عنك الأذى إذا غيره إلى محل آخر كل ذلك يُراد به معنًى واحد ألا وهو التحويل والتغيير.
إذًا المادة مادة الصاد والراء والفاء تدور حول التحويل والتغيير، وهو التحويل من وجه إلى وجه ومن حال إلى حال أخرى {انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} [الأنعام: 46] {نُصَرِّفُ الآيَاتِ} يعني: نغيرها ونحولها من حال إلى حال، {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ} ... [البقرة: 164] أي: تغييرها من حال إلى حال.