وبهذه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والعقل يتبين لنا جواز الجراحة الطبية، وأن الشريعة الإسلامية لا تمنع من فعلها ما دامت سبيلاً لإنقاذ الناس من الهلاك، ومشتملة على دفع ضرر الأمراض عنهم، وهذا الموقف من الجراحة الطبية يدل دلالة واضحة على ما اشتملت عليه هذه الشريعة السمحاء من رحمة بالعباد، وأن تشريعاتها تراعي دفع المشقة والضرر عنهم والتخفيف عليهم، كما أشار الحق تبارك وتعالى إلى ذلك في قوله سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرجٍ} [1]، وقوله سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ أن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [2].
فلو تصورنا حال الناس لو حُرّم عليهم العلاج بالجراحة كم سيعاني المرضى من الآلام المبرحة التي تنغص عليهم حياتهم إلى درجة قد يتمنى فيها الواحد منهم الموت لكي ينجو من تلك الآلام والمتاعب.
وكذلك الحال بالنسبة لأهل المريض وذويه، وأصدقائه، فإنهم يجدون من الآلام النفسية ما قد يفوق في بعض الأحيان ألم المريض نفسه، فلو منعوا من معالجة مرضاهم بالجراحة التي هي السبيل لشفائه بإذن الله تعالى، فإنهم سيلاقون من المشقة والحرج ما لا يعلمه إلا الله.
= عليه وعلى ذويه وأهله، وارتاح الجميع نفسيًا، كما أن المريض يتمكن بعد الشفاء من عبادة ربه وأداء الفرائض والطاعات وهي مصلحة أخروية، كما أنه يتمكن من السعي وطلب الرزق الذي كان معاقًا عنه بسبب الآلام ومتاعبها، فكل هذه المصالح الدنيوية والأخروية مترتبة على فعل الجراحة وضدها مفاسد مترتبة على وجود الأمراض الجراحية. [1] سورة الحج (22) آية 78. [2] سورة النساء (4) آية 28.