ونظرًا لذلك نص الفقهاء -رحمهم الله- على العمل بهذه الرخصة فأجازوا للمريض الذي يخشى على نفسه الهلاك لو اغتسل أو يخشى تلف عضو من أعضائه لو اغتسل أو توضأ رخصوا له بالتيمم [1]، ولم يشترطوا في هذه الرخصة فقده للماء خلافًا لعطاء -رحمه الله- الذي اشترط لصحة تيممه أن يفقد الماء [2] لظاهر قوله سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [3].
والصحيح ما ذهب إليه جماهير أهل العلم -رحمهم الله- من الترخيص للجريح بالتيمم ولو لم يجد الماء لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [4]، فقد دلت هذه الآية الكريمة على حرمة قتل الإنسان لنفسه، وذلك بتعاطي الأسباب الموجبة لهلاكها، والغسل والوضوء على هذا الوجه مفض إلى الهلاك فيعتبر من أسبابه فلا يشرع للجريح فعله.
وقد احتج عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بهذه الآية الكريمة لما خاف على نفسه الهلاك بالاغتسال في البرد، وعدل عنه إلى التيمم، فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك [5]، فدل هذا على أن وجود السبب المفضي إلى الهلاك يعتبر من موجبات الترخيص بالعدول عن الغسل إلى التيمم، والجراحة متوفر فيها ذلك الوصف.
وقصة الصحابي الذي أمره أصحابه بالاغتسال مع الجراحة تعتبر [1] حاشية ابن عابدين 1/ 215، 216، قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي 52، المهذب للشيرازي 1/ 37، الإنصاف للمرداوي 1/ 271. [2] المغني والشرح الكبير لابن قدامة 1/ 262. [3] سورة المائدة (5) آية 6. [4] سورة النساء (4) آية 29. [5] رواه أبو داود في سننه 1/ 141، والداقطني 1/ 178.