الحرف الذي بعده، وفي ذلك عون على تدبُّرِ القرآن وتفهُّمِهِ، ومرتبة الترتيل أفضل مراتب القراءة.
وعن أنس - رضي الله عنه -، قال قتادة: سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان يمدُّ مداًّ: ثم قرأ: {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} يمدّ ((بسم الله))، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم [1][2].
وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها ذكرت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم * الْحَمْدُ لله رَبّ الْعَالَمِين * الرَّحْمنِ الرَّحِيم * مَلِكِ يَوْمِ الدّين. يُقطّع قراءته آية آية. قال أبو داود: ((سمعت أحمد يقول: ((القراءة القديمة مالك يوم الدين))، ولفظ الترمذي: ((الْحَمْدُ لله رَبّ الْعَالَمِين))، ثم يقف ((الرَّحْمنِ الرَّحِيم)) ثم يقف ... )) [3].
وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يُرجّع)) [4]، وقال: لولا أن يجتمع الناس [1] قال ابن حجر في فتح الباري، 9/ 91: ((المدّ عند القراءة على ضربين: أصلي وهو إشباع الحرف الذي بعده: ألف، أو واو، أو ياء، وغير أصلي، وهو ما إذا أعقب الحرف الذي هذه صفته همزة: وهو متصل ومنفصل، فالمتصل ما كان من نفس الكلمة، والمنفصل ما كان بكلمة أخرى، فالأول يؤتى فيه: بالألف، والواو، والياء ممكنات من غير زيادة، والثاني يزاد في تمكين الألف والواو، والياء، زيادة على المد الذي لا يمكن النطق بها إلا به من غير إسراف، والمذهب الأعدل أنه يمدَّ كل حرف منها ضعفي ما كان يمد أولاً، وقد يزاد على ذلك قليلاً، وما فرط فيه فهو غير محمود، والمراد من الترجمة الضرب الأول)). قلت: الضرب الأول: المد الطبيعي الأصلي ضابطه في المد يمد حركتين كل حركة بمقدار قبض الإصبع أو بسطها، والضرب الثاني المد غير الأصلي وهو نوعان: متصل يمد أربع حركات ومنفصل: يمد أربع حركات كذلك ويجوز قصره فيمد حركتين. [2] البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب مدّ القراءة، برقم 5045، 5046. [3] أبو داود، كتاب الحروف والقراءات، برقم 4001، والترمذي، كتاب القراءة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب في فاتحة الكتاب، برقم 2927، وأحمد، 6/ 302، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 493، وصحيح سنن الترمذي، 3/ 169. [4] الترجيع: هو تقارب ضروب الحركات في القراءة، وأصله الترديد، وترجيع الصوت ترديده في الحلق، وقد فسره، لفظ معاوية بن قرة (آاْ أ) قال الحافظ في الفتح: ((بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم همزة أخرى))، وقيل: يحتمل أن هذا حصل من هز الناقة، وقيل: يحتمل أنه أشبع المد في موضعه فحدث ذلك. قال الحافظ ابن حجر: ((وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع فأخرج الترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي داود واللفظ له من حديث أم هانئ قالت: كنت أسمع صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ وأنا نائمة على فراشي يرجّع القرآن))،والذي يظهر أن في الترجيع قدراً زائداً على الترتيل، فعند ابن أبي داود من طريق أبي إسحاق عن علقمة قال: ((بتُّ مع عبد الله بن مسعود، فنام ثم قام، فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه لا يرفع صوته ويسمع من حوله ويرتل ولا يرجع))،وقيل: ((معنى الترجيع تحسين التلاوة لا ترجيع الغناء؛ لأن القراءة بترجيع الغناء تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة)) [فتح الباري لابن حجر،9/ 92].
ولكن رأى شيخنا ابن باز في قول معاوية بن قرة (آاْآ) أن هذا الظاهر فيه أنه وهم من بعض الرواة في تفسير الترجيع؛ لأن هذه الأحرف لا تدل على معنى، والمقصود من ترديد القراءة الفائدة والخشوع، فالترجيع: هو ترديد القراءة))، وقال رحمه الله: ((معنى ترجيع القراءة: أي ترديد القراءة {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا. إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا. إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} للخشوع والتدبر وهذا هو معنى الترجيع في القراءة، وكان - صلى الله عليه وسلم - يسرد القراءة إلا في بعض الأحوال، وقد قام ليلة بآية: {إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} فالترجيع سنة عند الحاجة فقط)). [سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 4281.