فصل
وأما بدعة الإرجاء فإنها حدثت في آخر عصر الصحابة - رضي الله عنهم - بعد بدعة القدرية، وتكلم فيها أكابر التابعين ومن بعدهم من الأئمة، وأنكروا على أهلها، وصاحوا بهم من كل جانب، وبدّعوهم، وضللوهم، وحذّروا منهم، واستقر الأمر عند أهل السنة والجماعة على أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وأن المؤمنين يتفاضلون في الإيمان، وأنه يُستثنى فيه ويُعاب على من لا يستثني.
قال عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة": حدثني أبي، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا أبو هلال، عن قتادة قال: إنما حدث الإرجاء بعد هزيمة ابن الأشعث.
قلت: وكانت هزيمة ابن الأشعث في سنة ثلاث وثمانين.
وقال عبد الله أيضا: حدثني أبي، حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا محمد -يعني ابن طلحة- عن سلمة بن كهيل قال: وصف ذر الإرجاء، وهو أول من تكلم فيه، ثم قال: إني أخاف أن يُتخذ هذا دينا، فلما أتته الكتب من الآفاق قال: فسمعته يقول: وهل أمر غير هذا؟
وروى أيضا بإسناده عن الأعمش قال: سمعت ذر الهمداني يقول: لقد أشرعت رأيا خفت أن يُتخذ دينا.
وبإسناده عن الحسن بن عبيد الله قال: سمعت إبراهيم يقول لذر: ويحك يا ذر، ما هذا الدين الذي جئت به؟ قال ذر: ما هو إلا رأي رأيتُه.