وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23]، وقال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النجم: 29 - 30].
ولما أبوا عن الانقياد للحجة والبيان، عدل الموحدون إلى جهادهم بالسيف والسنان، فدخلوا مكة في أول سنة ألف ومائتين وثمانية عشر، واستولوا على الحجاز بكامله، وأزالوا جميع ما كان يعبد من دون الله -بالتعظيم والاعتقاد فيه ورجاء النفع ودفع الضر بسببه- من الأبنية على القبور وغيرها، حتى لم يبق في الحجاز طاغوت يعبد، وهذه هي المرة الأولى كما أشرنا إليه قريبا، وبعد بضع سنين نكث والي مكة وخان الموحدين، ومالأ عليهم الترك والمصريين حتى استولوا على الحجاز، وأعاد القبوريون الأبنية على القبور، وفعلوا عندها وبها من الأمور الشركية ما كانوا يفعلونه من قبل، وزاد غلوهم في التقليد ونفورهم عن الكتاب والسنة، حتى آل بهم ذلك إلى ظلم المتبعين للكتاب والسنة، والبغي في الأرض بغير الحق.
قال صديق بن حسن في كتاب "الدين الخالص": من غرائب الزمان أن أهل مكة يُخرجون كل من يسمعون أنه يعمل بالحديث وينكر التقليد، ويضطرونه إلى الخروج والجلاء مع أنه مهاجر غريب الدار والأهل والوطن والسكن، هاجر من ماله وأهله حبا لله ولرسوله، وسكن أشرف البلاد، وهو ليس بمشغول في رد أحد من أهل المذاهب ولا في الجهاد،