الله حقا فلا غربة عليهم وإنما غربتهم بين الأكثرين، قال الله تعالى فيهم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]، فأولئك هم الغرباء عن الله ورسوله ودينه، وغربتهم هي الغربة الموحشة وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم.
فالغربة ثلاثة أنواع:
غربة أهل الله وأهل سنة رسوله بين هذا الخلق؛ وهي الغربة التي مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبر عن الدين الذي جاء به أنه بدأ غريبا، وأنه سيعود غريبا، وأن أهلها يصيرون غرباء. وقال الحسن: المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، للناس حال وله حال، ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النبي - صلى الله عليه وسلم - التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس، وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا طريق ولا مذهب ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء ينتسبون إلى الله بالعبودية له وحده وإلى رسوله بالإتباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقا، فلِغُربتهم بين هذا الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة، ومفارقة للسواد الأعظم، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إنهم النزاع من القبائل، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى بعث رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأهل الأرض على أديان مختلفة فهم بين عبّاد أوثان، وعبّاد نيران، وعبّاد صلبان، ويهود، وصابئة، وفلاسفة، فكان الإسلام في أول ظهوره غريبا، فكان من أسلم منهم واستجاب لله ورسوله