غريبا في حيّه، وقبيلته، وقريته، وأهله، وعشيرته، وكان المستجيبون لدعوة الإسلام نزاعا من القبائل آحادا منهم، تغربوا عن قبائلهم وعشائرهم فكانوا هم الغرباء حقا حتى ظهر الإسلام وانتشرت دعوته ودخل الناس فيه أفواجا، ثم أخذ في الاغتراب حتى عاد غريبا كما بدأ، بل الإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه اليوم أشد منه غربة في أول ظهوره وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة، فالإسلام الحقيقي غريب جدا وأهله غرباء بين الناس، وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة ذات أتباع ورياسات ومناصب وولايات لا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن نفس ما جاء به يضاد أهواءهم ولذاتهم وما هم عليه من الشبهات التي هي منتهى فضيلتهم وعلمهم، والشهوات التي هي غاية مقاصدهم وإرادتهم، فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبا بين هؤلاء الذين اتبعوا أهواءهم وأطاعوا شيخهم وأعجبوا منه برأيه؟! انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
ومراده بشيخ أهل الأهواء إبليس لعنه الله، ورأيه الذي أعجب به أتباعه هو المعارضة بين العقل والنقل وتقديم العقل على النقل عند التعارض، قال ابن رجب رحمه الله تعالى: وقد كان السلف قديما يصفون المؤمن بالغربة في زمانهم كما سبق مثله عن الحسن والأوزاعي وسفيان وغيرهم.
ومن كلام أحمد بن عاصم الأنطاكي -وكان من كبار العارفين في زمان أبي سليمان الداراني- قال: إني أدركت من الأزمنة زمانا عاد فيه الإسلام