ثانيًا: أن الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين؛ محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي الرّقاب والغارمين لقضاء ديونهم، أو مَن يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلَّف والغارم لإصلاح ذات البين، والحج من الفقير لا نفع للمسلمين فيه، ولا حاجة بهم إليه، ولا حاجة به أيضًا إليه؛ لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه، ولا مصلحة له في إيجابه عليه، وتكليفه مشقة قد رفهه الله منها، وخفف عنه إيجابها، وتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة من سائر الأصناف أو دفعه في مصالح المسلمين أولى [1].
2 - ورود بعض الآثار الموقوفة الدالة على أن الحج من سبيل الله، كالذي ورد عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم [2].
ونوقش: بأن أثر ابن عباس رضي الله عنهما لا يصح [3]، وأما أثر ابن عمر رضي الله عنه فهو وإن دل على أن الحج من سبل الله، إلا أن سبيل الله الوارد في الآية يفسر بغير ذلك، وهو الجهاد، لأنه الغالب عند الإطلاق [4]. [1] ينظر: المغني 9/ 329. [2] فقد روى أبو عبيد بإسناده أثر ابن عباس رضي الله عنهما من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن حسان بن الأشرس، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج، وأن يعتق منه الرقبة. وأما ابن عمر رضي الله عنهما فقد سئل عن امرأة أوصت بثلاثين درهما في سبيل الله، فقيل له: أتجعل في الحج؟ فقال: أما إنَّه من سبل الله. قال أبو عبيد في الأموال 1/ 723: "سمعت إسماعيل بن إبراهيم ومعاذًا يحدثانه، عن ابن عون، عن أنس بن سيرين، عن ابن عمر رضي الله عنهما". [3] قال ابن حجر في فتح الباري 3/ 389: "وقال الخلّال: أخبرنا أحمد بن هاشم، قال: قال أحمد: كنت أرى أن يعتق من الزكاة، ثم كففت عن ذلك؛ لأني لم أره يصح، قال حرب: فاحتج عليه بحديث ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: هو مضطرب. وإنما وصفه بالاضطراب للاختلاف في إسناده على الأعمش كما ترى، ولهذا لم يجزم به البخاري". [4] ينظر: الشرح الكبير 7/ 250.