فيشكل على هذا الطريق التفاوت الكبير بينه وبين الطرق الأخرى، لا سيما مع تطرق الخطأ في صناعة الأمداد ومعادلتها، حيث يتكرر ذلك أكثر من عشرين مرة تقريبًا، مما ينتج عنه زيادة أو نقص في الأمداد بلا شك، لا سيما مع عدم توفر المقاييس في العصور السابقة.
ولذا فإن الأخذ بنتيجة هذا الطريق يكون متى غلب على الظن سلامة الأمداد من التفاوت الكبير، كما لو وجد أحد الأمداد أو الأصواع يرجع إلى زمن قديم، وتأكد لنا من إسناده ودقة رجاله، أمَّا والأمر كذلك، فالذي يظهر لي الأخذ بالطريقين الأوليين، وأدقُّهما هو الطريق الأول، وبه يتحقق اليقين لكونه الأقل، مع أن الأمر على التقريب لا على التحديد، ذلك أنه لا يمكن ضبط الصاع النبوي على التحديد لعدم وجوده بعينه، أما وزنه ثم نقله فإنه لا يسلم من التفاوت مهما دق الموزون وتماثل [1] كما أنَّ الحسابات مهما بلغت، فلا بدَّ فيها من الخلل نتيجة اختلاف المآخذ والأقيسة، وهذا هو الموافق لمقاصد الشريعة القائمة على التيسير، والذي يتأكد مراعاته هنا لا سيما مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" [2].
فما كان من جنس تلك المسائل، وشق ضبطه على التحديد فيكون الأمر فيه على التقريب، ولا يعني ذلك التفريط، بل يجب الاجتهاد في الوصول للحق مع عدم اطراح التقادير الأخرى، لا سيما المقاربة والقائمة على أساس معتبر [3]. [1] ينظر: المقادير الشرعية (ص 107). [2] رواه البخاري كتاب الصوم باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب برقم: (1913)، ومسلم، كتاب الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يومًا برقم: (1080). [3] ينظر: الخراج لمحمد ضياء الدين (ص 343)، وأبحاث الندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة (ص 201 - 206).