فأما من فعله لتعذر قطعه باليد إما لقلة نضجه، أو لكبر القطعة أو لحرارتها، أو نحو ذلك فلا.
ومع ذلك فالنهي يكون من باب الكراهة لا التحريم بالإجماع [1].
والذي ذهب إليه الشافعي: أن كل ما مسته النار لا ينقض الوضوء، وهو مذهب الأكثر من الصحابة والتابعين والفقهاء.
وحكي أن عمر بن عبد العزيز، وأبا قلابة، وأبا مجلز، والزهري، والحسن البصري كانوا يتوضئون منه، تمسكًا بما روى أبو هريرة وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "توضأ مما مسته النار، ومما غيرت النار" [2]. [1] هذا إن ثبت النهي، وأما وقد علمت ضعفه فلا معارضة. [2] أخرج مسلم (351، 352، 353) ثلاث روايات عن أبي هريرة وعائشة وزيد بن ثابت بنحوه.
وقال النووي:
ذكر مسلم -رحمه اللَّه تعالى- في هذا الباب الأحاديث الواردة بالوضوء مما مست النار، ثم عَقَّبَها بالأحاديث الواردة بترك الوضوء مما مست النار فكأنه يشير إلى أن الوضوء منسوخ، وهذه عادة مسلم وغيره من أئمة الحديث، يذكرون الأحاديث التي يرونها منسوخة ثم يعقبونها بالناسخ، وقد اختلف العلماء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "توضئوا مما مست النار"، فذهب جماهير العلماء -من السلف والخلف- إلى أنه لا ينتقض الوضوء يأكل ما مسته النار، ممن ذهب إليه أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن مسعود، وأبو الدرداء، وابن عباس، وعبد اللَّه بن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن سمرة، وزيد بن ثابت، وأبو موسى، وأبو هريرة، وأبي ابن كعب، وأبو طلحة، وعامر بن ربيعة، وأبو أمامة، وعائشة رضي اللَّه عنهم أجمعين، وهؤلاء كلهم صحابة، وذهب إليه جماهير التابعين، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، وأبي ثور، وأبي خيثمة رحمهم اللَّه. وذهب طائفة إلى وجوب الوضوء الشرعي -وضوء الصلاة- بأكل ما مسته النار، وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري والزهري وأبي قلابة وأبي مجلز، واحتج هؤلاء بحديث "توضئوا مما مسته النار" واحتج الجمهور بالأحاديث الواردة بترك الوضوء مما مسته النار. =