أن يعلم أن الحرف في اللغة هو الطرفُ والناحية. ومنه حرف الوادي، أي طرفه وناحيته. ومنه تسميتهم الشكل المقطوع من حروف المعجم حرفاً لأنه ناحية وطرفٌ من الكلام. ومنه قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [205] يعني على غير طمأنينة لأن الشاك كأنه على طرف وناحية من الاعتقاد. وإذا ثبت هذا قلنا: قد اتضح أن الحرف من الأسماء المشتركة فينطلق على المذهب الأول الذي هو المعاني المختلفة لأن كل معنى منها طرف وناحية من صاحبه. وينطلق أيضاً على المذهب الثاني وهو إبدال خواتم الآي لأن كل مبدل طرف وناحية من الكلام. ولكن منعنا من حمل حديثنا هذا عليه ورود الشرع بِمنع الإِبدال فلا بد من حمله على أحرف يجوز إبدالها وليس إلا ما تقرر في الشريعة جواز إبداله وهو نحو الإِمالة والفتح فإن أحدهما يبدل بالآخر والتفخيم والترقيق والهمز والتسهيل والإِدغام والإِظهار وما أشبه ذلك. والغرض منه حمل الحديث على أنه أراد ناحية وطرفا من اللغات ولكن يبقى على هذا المذهب نظر آخر: هل المراد بذلك وجود قراءات سبع في كلمة واحدة أو يكون إنما أشار إلى تردد سبع لغات في سائر الآيات؟ فهذا مَا [206] اختلف فيه أهل هذه الطريقة وللنظر فيه مجال.
317 - ووقع في بعض طُرق مُسلم عن أُبَيّ "أنَّ النبيء - صلى الله عليه وسلم - لمَّا حسّن لِلْقَرَأةِ المُخْتَلِفَةِ قِرَاءَتَهُمْ مَا قَرَأوا بِهِ قَالَ أبَّي: فَسُقط في نَفْسِي مِنَ التَّكْذِيبِ وَلاَ إذْ كُنْتُ فِي الجَاهِلِيَّة. فَلَمَّا رَأى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا قَدْ غَشِيَني ضَرَبَ صَدْرِي فَتَصَبَّبْتُ عَرَقًا فَكَأنَّمَا أنْظُرُ إلَى الله عَزَّ وَجَلَّ فَرَقًا فَقَالَ لِي يَا أُبَيُّ أُرسل إلَيَّ ... " الحديث (ص 561).
قال الشيخ: وهذا مما ينبغي أن يحمل فيه على أبيّ أنه وقع في نفسه [205] (1) الحج. [206] في بقية النسخ غير (أ) "مِمَّا".