وأجاب الأشاعرة عن استدلال النظّام على مذهبه بهذه الآية الكريمة
بثلاثة أوجه ([108]):
الوجه الأول: أن التكذيب راجع إلى الشهادة لأنهم كأنهم قالوا إن شهادتنا وَاطَأتْ فيها قلوبناً ألسنتناً، وهذا كذب لأن المنافقين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، فتكذيبهم راجع إلى ادعاء المواطأة لا إلى المشهود به الذي هو {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} كما يدعي النظّام فإنه وإن كان مطابقاً للواقع إلا أنه غير مطابق لاعتقادهم، وإذا كان غير راجع للمشهود به كما يدعي النظام بل هو راجع للمواطأة سقط استدلاله.
والعجب من النظّام كيف يستدل بهذه الآية مع أنّها لا تحتمل إلا الوجه الذي حملها عليه الأشاعرة، وها أن الزمخشري وهو من الاعتزال بمكان ومع ذلك يقول: والله يشهد إنهم لكاذبون في قولهم {نَشْهَدُ} وادعائهم فيه المواطأة [109].
وكأنَّ صاحب المعلم عدل إلى ما عدل إليه كما سيأتي ولم يعرج على رد استدلال النظّام لأنه رآه كما بيّنا لا يستحق أن يرد عنه، وقد أوضحنا بُعْدَهُ وأنه لا سبيل إلى القول الذي ذهب إليه النظّام.
وهذا منه ترفعاً عن رد الأقوال المردودة في ذاتها حيث لا يلتفت إليها اشتغالاً بغيرها.
وإنما وضحناً رد قول النظّام بعد شرحه حتى لا يعتقد أنه أغفل الكلام عليه واعتنى بغيره إذ بان أن هذا القول في عداد المهملات وإنما العناية بغيره.
الوجه الثاني: من أوجه الرد على النظّام أن تكذيبهم راجع إلى تسمية إخبارهم (بكسر الهمزة) شهادة إذ هي ما تكون على وفق الاعتقاد. [108] انظر في هذه الأوجه التلخيص للقزويني وشرح السعد له. [109] الكشاف (ج 4 ص 538).