مال في شرحه هذا إلى مسألة خلافية بين الأشاعرة والمعتزلة، وهي مسألة حقيقة الكذب فقد اختلف فيها الطرفان في اشتراط العمد وعدمه فإلى الأول ذهب المعتزلة وإلى الثاني ذهب الأشاعرة.
هكذا ذكر مذهب المعتزلة في الكذب بأنهم يشترطون العمد والقصد إلى جانب مخالفة الواقع وهو ما عبر عنه بالإِخبار عن الأمر على ما ليس هو به.
ولإِيضاح ما يقصده من المعتزلة نذكر المذاهب في الصدق والكذب حتى يتبيَّنَ لنا من هم المعتزلة الذين يرد عليهم.
المذهب الأول: مذهب أهل السنة الذي يرى أن النسبة الذهنية المفهومة من الكلام في الكلام الخبري إذا كانت متطابقة مع النسبة الخارجية بأن تكون النسبتان ثبوتيتين أو سلبيتين فذلك الصدق وإن اختلفتا في الثبوت والسلب بأن كانت إحداهما ثبوتية والأخرى سلبية فذلك الكذب فلا نظر عند الأشاعرة في الصدق والكذب إلا إلى التطابق بين الكلام ونسبته الخارجية، وهذا ما أشار إليه في المعلم بإجمال.
المذهب الثاني: مذهب النظّام [107] ومن تابعه: أن الصدق مطابقة الكلام لاعتقاد المخبر ولو كان الاعتقاد خطأ، بمعنى أنه غير مطابق للواقع، والكذب عدم مطابقته لاعتقاد المخبر. والمراد بالاعتقاد ما يشمل الظن، فلو قال قائل: السماء تحتنا، وهو يعتقد ذلك كان صدقاً، ولو قال: السماء فوقنا، وهو لا يعتقد ذلك كان خبره كذباً.
واحتج النظّام لمذهبه بقوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (المنافقون: [1]). [107] النظّام إبراهيم بن سيار كان من أئمة المعتزلة (231).