الأشعرية الإِفريقية:
وما ذهب إليه هذا الرجل قد كان محل اتفاق بينه وبين من سلف من العلماء الأفارقة، وبالأخص القابسي [103] الذي كان من رجالات القيروان الأفذاذ في نقلهم وأفكارهم ونظرهم الشامل المتكامل، فقد كان ناشراً للأشعرية مبينا منهجها الواضح، وأنها مبنية على السنة الصحيحة بناء متيناً حيث كان الأشعري متثبتاً في كل آرائه وازنا لها مدققا في وزنه حتى لا تخرج عن المراد من السنة على الوجه الظاهر دون الالتواء في تلك البُنَيَّات التي تاه فيها الكثير، فأصبحوا ضالين مضلين يتيهون في الدين حتى يخرجوا بآراء لا يمت لها الدين بسبب.
وقد احتفظ لنا التاريخ بسبب ما كتبه الميورقي [104] عن الأشعرية، احتفظ برسالة من القابسي يوضح فيها مذهب الأشعري، وأنه المذهب الذي يجب تقلده، وقد نقل بعضها أبو نصر عبد الوهاب السبكي ومما جاء فيها: "اعلموا أن أبا الحسن الأشعري لم يأت عن علم الكلام إلا ما أراد به إيضاح السنن والتثبت عليها".
ثم يقول: "وما أبو الحسن إلا واحد من جملة القائمين في نصرة الحق ما سمعنا من أهل الإِنصاف من يؤخره عن رتبة ذلك، ولا من يؤثر عليه في عصره غيره، ومن بعده من أهل الحق سلكوا سبيله".
ثم يقول: "لقد مات الأشعري يوم مات، وأهل السنة باكون عليه، وأهل البدع مستريحون منه".
فالقابسي يرى الأشعري شارحاً للسنة العقائدية، فهو لم يخرج عنها، وإنما هو موضح لها لم يقف عند النصوص وقفة غيره إما مجرد النظر وإما [103] القابسي علي بن محمد بن خلف عالم المالكية بإفريقية (403). [104] الميورقي من رجال القرن الخامس وسننشر له قريباً نصيحة ولده.