مجلسه مجمعاً علمياً، وكان مجلسه يحتوي على عدد عظيم في كل فن، واجتمع عنده الكثير من الفقهاء والمتكلمين، وكان قاضي قضاته بشر بن الحسين معتزلياً، وأحب عضد الدولة أن يرى مناظرة بين يديه تقع بين أشهر المعتزلة في عصره وهو قاضي قضاته، وبين الأشعرية أهل الحديث، فتلكّأ قاضيه المذكور في تحقيق تلك الرغبة ولكنه أمام إلحاح عضد الدولة لم يسعه إلا أن يذكر له أشهر رجال السنة، فذكر له أبا الحسن الباهلي وهو شيخ، وأبا بكر الباقلاني وهو شاب، فامتنع الباهلي، فرد عليه الباقلاني بأن امتناع المحاسبي في عصر المأمون من الحضور للمناظرة مما أدى إلى محنة ابن حنبل، فلو أن المحاسبي وغيره ناظروا بين يديه لكفُّوه عن هذا الأمر.
وكان مما اعتذر به قاضي عضد الدولة لما تلكأ عن أن يخبره عن أبرز أهل السنة: أنهم ليسوا أهلا للمناظرة لأنهم أصحاب تقليد ورواية، ويروون الخبر وضده ويعتقدونه جميعاً، ولا أعرف أحداً منهم يقوم بهذا الأمر [102].
وأراد قاضي عضد الدولة المعتزلي ذم أهل السنة ورميهم بالعجز عن التوفيق بين الأخبار الواردة، ولكنه انكشف الواقع عن أن الاستدلال على السنة وشرحها الشرح الملائم لها أبكت المعتزلة ورفع منار السنة.
وفعلا لما ذهب الباقلاني وتصدى للمعتزلة أمام عضد الدولة تحولت فكرة عضد الدولة فبعد أن كان ناقماً على الباقلاني حيث لم يلتزم التشريفات أصبح مكبراً له حتى قال: إنه الأحق بمكاني لأنه لم يزل يحلو له كلام الباقلاني حيث رأى علاوة على فصاحته وقدرته أن الأشعرية لا تترك لقائل مقالاً في الانتقاد عليها حيث لم تهمل العنصرين الأساسيين: النص والعقل، وهما الرائدان إلى الخير، وبهما تنفتح المغلقات، وتُزال المشكلات.
فالمازري حين أخذ بالأشعرية كان على بينة، وكان على شريعة من الأمر لا التواء فيها، ولا تنالها المطاعن، ولا تؤثر فيها الانتقادات. [102] المدارك (ج 4 ص590).