عن الدارقطني: أن عائشة رضي الله عنها سألت النّبي صلى الله عليه وسلّم إنا لا نجدُ في خلائك شيئًا يا رسول الله قال: «أَمَا تعلمِ أنَّ الأرض تبلغ عَذِرات الأنبياء». وأسناده قوي بالمعنى. وعند الترمذي في المناقب أنه قال لعلي رضي الله عنه: «لا يجوز لأحدٍ أن يجنبَ في المسجد غير وغيرك» أي يمرُّ في المسجد جنبًا، وحسَّنه الترمذي، وتصدى إليه ابن الجوزي فأدخله في الموضوعات فَهْمًا منه أن الروافضَ لما رأوا فضيلة أبي بكر رضي الله عنه في إبقاء خَوْختِهِ خاصّة، أرادوا أن يتخرعوا له خصوصية أيضًا، فوضعوا له هذا الحديث. وردَّه الحفاظُ وقالوا: الحديث قوي.
ثم ما زلت أتفكرُ في وجه الإِباحة لهما خاصة وأقول: لعلهما لم يكن لهما طريق إلا من المسجد. ثم رأيتُ في «السيرة المحمدية» أَنَّ موسى وهارون عليهما الصلاة والسَّلام لِمَّا بنيا المسجد في مصر أعلنا أَنْ لا يَقْعُدَ في المسجد جنبًا غيرهما، فتبين لي أنَّ جواز الدخول جنبًا لِمَّا مِنْ خصائص النبوة، ولذا تحت الخصائص ذكره صاحب «السيرة». وعلى هذا أقول: إنَّ مرورَه صلى الله عليه وسلّم من المسجد جُنبًا أيضًا من هذا الباب، وليس من عدم وجدانه طريقًا آخر، وإنَّما رخَّص لعليٍ رضي الله عنه مع عدم نبوته، لما في الصِّحَاح: «أنت مِنِّي بمنزلة هَارونَ من موسى» ... إلخ.
فلمَّا كان عليٌ رضي الله عنه بمنزلة هارون منه أباحَ له أيضًا ما أَبيح له، ثم صرَّح بقوله: «إلا إنه لا نبي بعدي»، أَنَّه لا ينبأَ بعده أحدٌ لئلا يُختَدَع منه دجَّال من أمته فيضل الناس بغير علم، كما وقع لميرزا غلام أحمد القادياني فادَّعى النبوةَ وجعله أمه الهاوية. وتمسك من مثل هذه الأحاديث مع صَدْعها بخلافه، لعنه الله.
ثم مسألةُ طهارة فَضَلات الأنبياء توجد في كتُب المذاهب الأربعة، ولَكِنْ لا نَقْلَ فيها عندي عن الأئمة إلا ما في «المواهب» عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى نقلًا عن العيني، ولكنِّي ما وجدتُه في العيني. وفي «كَنْزِ العمال» أنَّ أجساد الأنبياء نابتةٌ على أجساد الملائكة. وإسناده ضعيف. ومرادُه أن حالَ الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام في حياتهم كحال الملائكة، بخلاف عامة الناس فإنَّ ذلك حالَهم في الجنة، فلا تكون فضلاتهم غير رَشَحَات عَرَقٍ.
والحاصل: أنَّ هذه عدة خصائصه تتعلقُ بأحكام الخَلاء جنسًا أو نوعًا، فليكن الاستقبال أيضًا من خصائصه كأخواته هذه، وهذه الطريق أقرب من ادِّعاء الخصوصية أوَّلًا، فإِنَّ الذهنِّ إذا تصوَّر بعض خصائصِهِ من هذا الباب تيسر له أن يقيسَ عليها الأخرى ويُلحِقَها معها.
وأما حديث عِرَاك فقد استُشْكِل جوابهُ على النَّاس، فنازع بعضُهم في وصلِه وإرساله. فنُقل عن ابن أبي حاتم في «المراسيل» أَنَّ أحمد أَعَلَّهُ وقال: إن عِرَاكًا لم يسمع من عائشة رضي الله عنها. وأجيبَ أن مسلمًا أثبت وأَخْرَجَ في «صحيحه» حديثَه عن عائشة رضي الله عنها من رواية يزيد بن أبي زياد مولى ابن عباس عن عِرَاك عن عائشة رضي الله عنها: جاءتني مسكينةٌ تحمِلُ ابنتين لها ... إلخ.