responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فيض الباري على صحيح البخاري نویسنده : الكشميري، محمد أنور شاه    جلد : 1  صفحه : 341
وأما حديث جابر رضي الله عنه ففيه بعض ما مرَّ في حديث ابن عمر رضي الله عنه، مع أنَّ الظاهر أن رؤيتَه كانت في سفر من أسفارِه في الصحارَى دون البنيان، لأنه لم تكن له قَرَابة من النبي صلى الله عليه وسلّم ليكون طَوَافَه على النبي صلى الله عليه وسلّم كأهل البيت، فالظاهرُ أَنْ يكون رآه في الصحارَى، وهذا خلافُ ما رَامه الشافعية رحمهم الله تعالى.
وأجابَ عنهما بعضهم أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان أفضلُ من البيت قطعًا، فجاز له الاستقبال والاستدبار خاصة، بخلاف سائر الأمة. قلت: ومما ينبغي أن يُعلم أن الطريقَ المختارَ عند الجواب أن يُستشهدَ بأمر خاص رُوي في هذا الباب بعينه دون التمسكِ بالعمومات، وكونه صلى الله عليه وسلّم أفضلُ من البيت أمرٌ عامٌ، فالتمسك به على جواز الاستقبال والاستدبار غير مَرْضِيٍ عندي ما لم يؤت بخصائصه التي رُويت في هذا الباب بعينه، لأنه يجوز أن يقال: إن أفضليته إنما ظهرت في عالم التكوين، أما في المسائل فلم تظهر بعدُ، فإِنه مأمورٌ بالاستقبال كسائر الناس، وكثيرٍ من أحكامه في التشريع مثلَ أمته.

فالوجه عندي في تقريره أنَّه محمولٌ على خصوصيتِهِ صلى الله عليه وسلّم لكِنْ لا لكونه أفضل، بل لكونه مختصًا ببعض الأحكام مِنْ هذا الباب. فإِذا علمنا خصوصيتَه في هذا الباب هَان علينا أن نحمل استقباله أيضًا على الخصوصية. ومما وجدنا من خصائصه في هذا الباب ما في «المواهب»،

= ثم إن في الفرق بين الاستقبال والاستدبار معنًى صحيحًا يعرفه العامة، لأن ما ينحطُّ عند الاستدبار إنما ينحط إلى الأرض دون جهة القبلة، بخلافه عند الاستقبال، ولأن قضاءَ حاجته والبيتُ يواجهه أبعدُ عن الاحترام مما إذا كان يقضيها وهو يستدبره، وهذا معنًى صحيحٌ يفهمه كل ذي فطرة سليمة، ولذا مُنع عن البصاق نحو القِبلة، فإن البيتَ يواجهه، والمناجاةَ قائمةٌ بينه وبين القبلة، وعن مَسْح الحصى في الصلاة، لأنَّ الرحمة تواجهه، ففي المواجهة معنى ليس في غيرها.
ومعنى قول ابن عمر رضي الله عنه: نهى عن ذلك مجهولًا. أنه ليس فيه عنده نهيٌ صريحُ إنما هو اجتهاده من نظرةٍ نَظَرَها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قاعد لحاجته. ولو كان عنده حديث مرفوع لأتى به لاسيما عند المعارضة، وإنما لم يتعقبْه مروان بعدَه لأنه ليس من دأب السلف سيما بحضرة ابن عمر رضي الله عنه، فإنه صحابي جليل القدر ولعلك علمتَ أن بناءَ المذهبِ على التشريع العام والقانون الكلي أولى من بنائه على واقعة أو واقعتين، فإن الوقائع الجزئية لا تنكشف وجوهُها وأسبابها، وربما يكون تحت الأعذار، كما ثبت عنه أنه بال قائمًا عند سُبَاطة قوم، فلم يذهب أحدٌ إلى أن البولَ قائمًا سنة.
فكذلك ينبغي أن لا يقال بجواز الاستدبار والاستقبال من جهة الوقائع الجزئية، بل الواقعةُ الواحدة فقط مع ورودِ ضابطةٍ كلية صحيحة صريحة في الباب، وهذا هو دأب الحنفية في جميع الأبواب، وهذا كمسألة البول، فإنهم لم يختاروا طهارة أبوال مأكول اللحم نظرًا إلى حديث العُرَنيين، فإِنه واقعةٌ جزئية، مع ورود التشديد في الباب، فاختاروه وجعلوه مذهبًا، وكذلك مسألة الفصلِ والوصلِ بين المضمضة والاستنشاق، لم يختاروا فيه الوصل لحديث عبد الله بن زيد مع صحتهَ لكونه واقعة جزئية كما سيتضح، وذهبوا إلى حديث عثمان وعلي رضي الله عنهما، وكذلك حديث القُلَّتين رأوه كالواقعة الجزئيةِ لكونه غير منكشف الوجه والسبب، فلم يجعلوه مدارًا للطهارة والنجاسة، بل طلبوا له مَحملًا صحيحًا، وكذلك، مسألة الأوقات المكروهة جعلوا الأحاديث الواردة فيها قدوةً لم يستخفوها لأجل الوقائع الجزئية، وهكذا في غير واحد من المسائل.
نام کتاب : فيض الباري على صحيح البخاري نویسنده : الكشميري، محمد أنور شاه    جلد : 1  صفحه : 341
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست