قلت: إنما ننكر الإشارة في المعاملات والحُكْم دون الأمور الأُخَر، ولم يأت المصنِّف رحمه الله تعالى بشيء يدلُّ على عِبْرَتِهَا في الحُكْم، وما ذكره ليس من باب الحُكْم بل من باب الفتوى فلو اعتمد أحدٌ على أحدٍ فذا جائز له، وإن أراد أن يُلْزِمَ عليه حجةً فكلا. والبخاري يجعلها حجةً في أبوابٍ شتّى كما سيجيء، وما استُدِلَّ به كلِّه في الأمور البَيْنِية دون الحُكْم فلا تقومُ حجةٌ علينا. وفي: «الأشباه والنظائر» أنه لو قال رجلٌ لجماعةٍ: من كان منكم طلْقَ امرأتَهُ فَلْيَنْكُسُ رأسه فَنَكَسُوا رؤوسهم، لا تَطْلُقُ امرأةُ واحدٍ منهم؛ وهذا لأن الإشارة لم تعد حجة عندنا.
86 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِىَ تُصَلِّى فَقُلْتُ مَا شَأْنُ النَّاسِ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ. قُلْتُ آيَةٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا، أَىْ نَعَمْ، فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَّنِى الْغَشْىُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِى الْمَاءَ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ «مَا مِنْ شَىْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلاَّ رَأَيْتُهُ فِى مَقَامِى حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَأُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِى قُبُورِكُمْ، مِثْلَ - أَوْ قَرِيبًا لاَ أَدْرِى أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ - مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُقَالُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ - أَوِ الْمُوقِنُ لاَ أَدْرِى بِأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا، هُوَ مُحَمَّدٌ. ثَلاَثًا، فَيُقَالُ نَمْ صَالِحًا، قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ - أَوِ الْمُرْتَابُ لاَ أَدْرِى أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ لاَ أَدْرِى، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ». أطرافه 184، 922، 1053، 1054، 1061، 1235، 1373، 2519، 2520، 7287 - تحفة 15750 - 32/ 1
86 - قوله: (أسماء) الأخت الكبيرة لعائشة رضي الله تعالى عنها.
قوله: (الكسوف) في السنة التاسعة بعد الهجرة يوم تُوفي إبراهيم عليه السلام.
قوله: (وهي تصلي) قال الحافظ رضي الله تعالى عنه: أنها اقْتَدَتْ من حُجْرَتها. قلت: وهذا الاقتداء صحيح عندنا أيضًا فإنه يكفي لِصِحَّةِ الاقتداء علم انتقالات الإمام، ولكن لا أدري مِنْ أين أخذه الحافظ رحمه الله تعالى. غير أني رأيتُ في «المُدَوَّنَةِ» أن أمهاتِ المؤمنين كُنَّ يقتدينَ يومَ الجمعة مِنْ حُجْرِهِنَّ.
قوله: (فقالت: سبحان الله) والذِّكر عندنا ليس بمفسِدٍ بحال، وظاهرُ عباراتِهم تُشْعِر بأن الذِّكْرَ بأي لسان كان، فإنه لا يُفْسِد الصلاة. وينبغي عندي أن يَقْتَصِر عدمُ الفسادِ على العربية والفارسية فقط. نعم يكره في بعض الأحوال.
قوله: (فجعلتُ أَصُبُّ ... إلخ) فعُلِم أن الصلاةَ لا تُفْسِدُ من مثلِ هذا العمل القليل. واعلم أن الغَشْيَ في القلب، والجنون والإغماء في الرأس.
قوله: (إلا أريته) وفي واقعةٍ أُخرى أنه رأى الجنة والنار ممثَّلَتَين في الجدار، والرؤية في