وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ. فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا فَيُلْقَوْنَ فِى نَهَرِ الْحَيَا - أَوِ الْحَيَاةِ، شَكَّ مَالِكٌ - فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً». قَالَ وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرٌو «الْحَيَاةِ». وَقَالَ «خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ». أطرافه 4581، 4919، 6560، 6574، 7438، 7439 - تحفة 4407
واعلم أن هذه الترجمة لها ارتباط بما تأتي ترجمة أخرى بعدها، وهي: باب زيادة الإيمان ونقصانه ... إلخ. وأخرج المصنفُ رحمه الله تعالى تحتها حديثَ أنس رضي الله عنه بمعنى حديث الباب، ثم عبّر بالتفاضل ههنا، والزيادة هناك.
وقوله: (تفاضل أهل الإيمان في الأعمال) ههنا على حد قولهم: تفاضل أهل العلم في المعاني والفقه، فلا يردُ أن العملَ إذا كان عينَ الإيمان عنده وداخلًا فيه، كان مآلُ الترجمة إلى تفاضل الإيمان في الإيمان، والمفاضلة بين الشيءِ ونفسه محال، فما معنى التفاضل في العمل؟ فإن الفصاحةَ أيضًا داخلةٌ في العلم، ومع ذلك صح قولهم: تفاضل أهل العلم في الفصاحة، فكذلك صح إطلاق التفاضل ههنا أيضًا، وإن كان العملُ داخلًا في الإيمان، ثم إن لفظ التفاضل يستعمل فيما بين الأنبياء، وسور القرآن، ولا يقال فيها: إن هذه زائدة وتلك ناقصة، وكذلك في الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام أيضًا، ولذا قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (البقرة: 253) ولم يقل: زِدْنا لإبهامه التنقيصَ في الجانب الآخر، والأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام ليس فيهم دُون ونقص، بل لم أر لفظَ النقصان في الإيمان أيضًا، إلا في آثار عند السفاريني.
والحاصل: أن التفاضل في الأشخاص، والزيادة والنقصان في المعاني، فالمصنف رحمه الله تعالى نَظَرَ في هذه الترجمة إلى حال العاملين، فوضع التفاضلَ بينهم. وفيما يأتي نظر إلى نفس الإيمان، فوضع لفظَ الزيادة والنقصان؛ لأنهما يُستعملان في المعاني، ثم أقول في تمايز الترجمتين: إنه تعرض في هذه الترجمة إلى تفاضل الأعمال، وإن كانوا في الإيمان سواء، وفي الترجمة التالية إلى زيادة نفس الإيمان، سواء كانوا متفاضلين في الأعمال أم لا. أو بعبارة أخرى: إن الكلام في هذه الترجمة في الموصوفين، أي المؤمنين بحسب الأعمال، وفي الترجمة الأخرى في نفس صفتهم، وهي الإيمان دون الموصوفين، وإن كان ينجز أحدهما إلى الآخر.
وهذا الكلام على مختارِ الشارحين، أما عندي فتلك الترجمة من أشكل التراجم من وجوه.
الأول: أن المصنف رحمه الله فرق في الترجمة على الحديثين، فوضعَ ترجمةَ التفاضل على حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وزيادة الإيمان على حديث أنس رضي الله عنه، مع اتحادِ مادة الحديثين، وإن كانا متعددين على اصطلاح المحدثين، فإن وحدة الحديث وتعدده يدورُ عندهم على وحدَةِ الصحابي وتعددهِ، لا على اتحاد مضمون الحديث واختلافه،