ولم يخطر ببالهم الحب الشرعي، كما اتضح من قول عمر رضي الله تعالى عنه، فإنه قابلَ أولًا بين الحبِّ بنفسه والحب بالنبي صلى الله عليه وسلّم ومعلوم أن حبَّه بنفسه لم يكن إلا طبعيًا. وكذا تواتر من حال غير واحد من الصحابة أنهم جعلوا أنفسهم تُرْسًا، ووقاية للنبي صلى الله عليه وسلّم في الغزوات كما رُوي عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله تعالى عنه وغيره فالتقسيم تفلسف. والأمر كما قلنا، ولا تحمل ألفاظ الحديث إلا على ما تعارفه أهل العرف، واللغة، وليُعلم أنَّ حبَّ النبي صلى الله عليه وسلّم ينبغي أن يكون من حيث ذاته الشريفة، لا من حيث أنه هدانا، والقصر عليه ليس بذاك، فهو محبوب لذاته المباركة الطيبة، ومحبوبٌ لأجل أوصافِهِ الحسنة، وملكاتِهِ الفاضلة، وأخلاقِهِ الكاملة أيضًا [1].
ومقصودهُ أن الحلاوةَ من ثمرات الإيمان، ولما ذكر الإيمانَ وبيَّنَ أموره، وأن حب الرسول من الإيمان، أرْدَفَه بما يُوجد حلاوةَ ذلك.
9 - باب حَلاَوَةِ الإِيمَانِ
16 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ». أطرافه 21، 6041، 6941 - تحفة 946 - 11/ 1
16 - قوله: (ثلاث من كن فيه) إلخ، وفيه تلميح إلى قصة المريض، والصحيح، لأن المريض الصفراوي، يجدُ طعم العسل مرًا، والصحيحُ يذوقُ حلاوته، على ما هي عليه، وكلما نقصت الصحة شيئًا ما، نقص ذوقُهُ بقدر ذلك، فكانت هذه الاستعارة من أوضح ما يقوّي استدلال المصنف رحمه الله تعالى على الزيادة والنقصان.
قال الشيخ أبو محمد بن أبي جَمْرة: إنما عبر بالحلاوة لأن الله شبَّه الإيمان بالشجرة في [1] قلت: والذي يسمُّونه حبًا عقليًا نحوٌ من العلم أو قريب منه، بخلافِ الحبِّ عند أهل الفقه والعرف، فإنه من كيفيات نفسانية أخرى، ومن مراتبه الغرام والعشق، فهو غير العلم قطعًا.
قوله: "أحب إليه مما سواهما"، قال الشيخ العيني رحمه الله تعالى: كيف قال بإشراك الضمير بينه وبين الله عز وجل، مع أنه أنكر على الخطيب الذي قال: ومن يعصهما فقد غوى وأجيب بأن المراد من الخطيب الإيضاح، وأما ههنا فالمراد الإيجاز في اللفظ ليحفظ. وقال القاضي عياض: إنه للإيماء على أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين، لا كل واحدة، فإنها وحدَها ضائعةٌ لاغية. وأمر بالإفراد في حديث الخطيب إشعارًا بأن كل واحد من العصيانين مستقل، باستلزامه الغواية، وقال الأصوليون: أمر بالإفراد لأنه أشدُ تعظيمًا، والمقام يقتضي ذلك. انتهى بتغيير واختصار، قلت واحفظ عن شيخي رحمه الله تعالى أن جوابه أن إنكاره على الخطيب كان من باب التأديب والتهذيب، كقوله تعالى: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104] وهذا الجوابُ أقوى، كما سيظهر لمن نَظَرَ في الأحاديث.