عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ». تحفة 13734
15 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ح وَحَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». تحفة 993، 1249
الباب الأولُ كانا عامًا لكل مسلم، وهذا خاص كالجزئي منه، وليس الحبُّ فيه هو الشرعي، أو العقلي، كما قاله البيضاوي: إن الحب عقلي، وطبعي، والمراد هو العقلي، وقد مر مني أن الحب صفة واحدةٌ، تختلف باختلاف المتعلَّق، إن صرفتَها إلى الآباء والأبناء، سميت طبعية، وإن صرفتها إلى الشرع، سُميت شرعية، فالفرق باعتبار المتعلَّق، كيف وقول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا} .. إلخ [التوبة: 24] أوجب أن يكونَ حبهما أزيدَ من الكل، وحب هذه الأشياء ليس إلا طبعيًا. وعند المصنف رحمه الله تعالى عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلّم لأنتَ يا رسولَ الله أحبُّ إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال: «لا، والذي نفسي بيده حتى أكونَ أحب إليك من نفسك». فقال عمر رضي الله تعالى عنه: فإنك الآن أحب إلي من نفسي، فقال: «الآن يا عمر»، وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: لما حَضَرَ أحدٌ دعاني أبي من الليل فقال: ما أراني إلا مقتولًا في أولِ من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم وإني لا أترك بعدي أعزَّ عليّ منك، غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإن عليّ دينًا ... إلخ رواه البخاري. وأمثاله كثيرةٌ تدل على أن نفسَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان أحب عندهم مما في الأرض جميعًا، ولم يكونوا يعلمون غير المحبةِ التي تكون فيما بينهم [1]. [1] قال الشيخ بدر الدين العيني: إن هذه المحبة ليست باعتقاد تعظيم -أي الحب الشرعي- بل ميلُ قلب -أي الحب الطبعي- ولكن الناسَ يتفاوتون في ذلك. قال الله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] ولا شك أن حظ الصحابة رضي الله تعالى عنهم من هذا المعنى أتم، لأن المحبة ثمرة المعرفة وهم بقدرِهِ، ومنزلتِهِ أعلم، والله أعلم.
ويقال: المحبة إما اعتقاد النفع، أو ميل يتبع ذلك، أو صفة مخصصة، لأحد الطرفين بالوقوع، ثم الميل: قد يكون بما يستلذه بحواسِّه، كحسن الصورة، وبما يستلذه بعقله، كمحبة الفضل والجمال، وقد يكون لإحسانه عليه، ودفع المضار عنه، ولا يخفى أن المعاني الثلاثة كلها موجودة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِمَا جمعَ من الجمالِ الظاهر والباطن، وكمالِ أنواعِ الفضائل، وإحسانه إلى جميع المسلمين، بهدايتهم إلى الصراط المستقيم، ودوام النعيم، ولا شك أن الثلاثة فيه أكمل مما في الوالدين.
لو كانت فيهما فيجب كونه أحب منهما. ثم قال الشيخ العيني رحمه الله تعالى: وإنما يجب أن يكون الرسول أحب إليه من نفسه، قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] إلخ فلله در الشيخ رحمه الله تعالى حيث بَرهن على أن حب النبي - صلى الله عليه وسلم - يجبُ على كل مسلمٍ أكثرَ من نفسه ووالديه، اللهم اجعل حبَّك وحبَّ رسولك أحبَّ إلينا من أنفسِنا ومن الماء البارد. آمين.