والرابع: الزيادة والنقصان في الصورة الإيمانية التي هي صورته، وهو بالحقيقة راجع إلى الثالث. أما الزيادة والنقصان في التلبس بتلك الكلمة، فمُسلَّمٌ عند إمامنا أيضًا، وهذا كالزيادة والنقصان في التلبس بالصلاة عند أبي داود في «باب ما جاء في نقصان الصلاة» عن عَمَّار بن يَاسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إن الرجل لينصرف وما كُتبَ له إلا عشر صُلاتِهِ تسعها، ثمنُهَا، سُبْعُهَا، سُدْسُها، خمسها، ربعها، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا». اهـ. فهذا المعنى لا ننكر في التلبُّس بالكلمة أيضًا.
وبعد ذلك أقول إن الزيادة والنقصان في الإيمان باعتبار التصديق، لم يجر البحث عنهما في السلف، لا نفيًا ولا إثباتًا، فإن الكلام في أجزاء الشيء بعد التحليل، بحثٌ منطقيٌ. وإنما أوجَدَه المتكلمونَ من المتأخرين، وأول من تكلم فيه القاضي أبو بكر البَاقِلاني. والكلام في السلف، إنما كان في زيادة الإيمان ونقصانه، سواء كان من تلقاء الأجزاء أو من جهة السراية. وعلى هذا فالبحث عنه في «صحيح البخاري» لغو.
إلا أني أتكلم عليه يسيرًا على طورهم. فأقول [1]: إن الزيادة والنقصان في الإيمان بحسَبَ نفس التصديق، مما يمكن عقلًا قطعًا، وإن لم يتكلم فيه السلف. وغاية ما ذكروه في النفي أمران:
الأول: أن التصديق ماهية من الماهيات، فلو قلنا بالزيادة والنقصان لزم التشكيك في نفس الماهيات، وهو باطل. قلتُ: الاستمداد في مثل هذه المسألة بقواعد الحكماء مما لا يزول عنك عاره. فالعجب من الشيخ ابن الهمام رحمه الله تعالى كيف اتسمد به مع أن المسألة في نفسه باطلة عند محققيهم أيضًا. وقد جوَّزَ بحر العلوم التشكيك في الماهية بنوعيه، على أنه يلزم حينئذٍ أن لا تكون الصلاةُ أيضًا ناقصة وزائدة بعين ذاك الدليل، لأنها أيضًا ماهية من الماهيات، مع أنَّ الزيادة والنقصان فيها مما لا ينكِرُه أحد.
والثاني: أنهم قالوا: لو جُوِّز التشكيكُ في التصديق. لزمَ اجتماعه مع الشك، لأنه إذا انتفى جزءٌ منه جاء جزءٌ من الشك بدله، فلا يبقى منجيًا، فلا يكون إيمانًا.
قلت: وهو أفحشُ من الأول، ألا ترى إلى سواد الثوب فإنه أضعفُ من سواد الغُرَاب بدَاهة، ولا يقول عاقلٌ إنه إذا كان أضعفُ لزمَ أن يكون فيه جزء من البياض، فكذلك لا يلزمُ من فوات جزءٍ من التصديق أن يجيءَ بدلَه جزء من ضِده. والحق أن السوادَ عَرْض عريض، وفيه مراتب لا يَعُدها عادّ، وبنقص واحد منها لا يجيء جزءٌ من البياض بدله، بل إذا نتفى جميعُ [1] قال بعض المحققين: أن التصديق يقبل الزيادة والنقصان، بوجهين: الأول القوة والضعف، لأنه من الكيفيات النفسانية وهي تقبل الزيادة والنقصان كالفرح، والحزن، والغضب. ولو لم يكن كذلك يقتضي أن يكون إيمان النبي صلى الله عليه وسلم وأفراد الأمة سواء وأنه باطل إجماعًا. الثاني التصديق التفصيلي في أفراد ما علم مجيئه به جزء من الإيمان يثاب عليه ثوابه على تصديقه بالآخر. كذا في العيني بحذف، ص 128 ج 1.