قال الزركشي في النكت على مقدمة ابن الصلاح (1/ 53): [وسئل الشيخ أبو الفتح بن سيد الناس عن حد المحدث والحافظ؟ فأجاب بأن المحدث في عصرنا هو من اشتغل بالحديث رواية ودراية وكتابة واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتبصر بذلك حتى حفظه واشتهر فيه ضبطه، فإن انبسط في ذلك وعرف أحوال من تقدم شيوخه وشيوخ شيوخهم طبقة طبقة بحيث تكون السلامة من الوهم في المشهورين غالبة، ويكون ما يعلمه من أحوال الرواة كل طبقة أكثر مما يجهله فهذا حافظ].
وقال ابن حجر في النكت (1/ 268): [للحافظ في عرف المحدثين شروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظاً:
1 - وهو الشهرة بالطلب والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف.
2 - والمعرفة بطبقات الرواة ومراتبهم.
3 - والمعرفة بالتجريح والتعديل وتمييز الصحيح من السقيم حتى يكون ما يستحضره من ذلك مما لا يستحضره مع استحضار الكثير من المتون.
فهذه الشروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظاً.] ...
(ومن هنا تظهر النكتة التي من أجلها عبر الذهبي - رحمه الله - بلفظ: متقن، بدلاً من حافظ؛ فليس من شرط رواة الصحيح اشتراط المعرفة والإكثار مع الضبط والإتقان فيهم. ...
فائدة: هل يلزم من قول المحدثين عن راو أنه (حافظ) أن يكون ضابطاً؟!
ذهب الشيخ طارق عوض الله في كتابه " النقد البناء لحديث أسماء " إلى أن: وصف الراوي بأنه (حافظ) لا يلزم منه أن يكون ضابطاً، وقال: بدلالة وصفهم لبعض الرواة بأنهم حفاظ وهم ضعفاء، ولأنهم ربما وصفوا الراوي بـ (الحفظ) مع اتهامهم له في عدالته وصدقه.
وهذا التقعيد والتعميم في إطراد هذه الملازمة العكسية خطأ فإن الأصل في وصف المحدثين للراوي بأنه (حافظ) هو أن يكون ضابطاً، نعم قد يقصدون أحياناً بقولهم (حافظ) كثرة محفوظاته من مرويات ومسموعات، وإن لم يكن ضابطاً متقناً لما حفظه، ولكنهم لابد وأن يبينون وجه الضعف فيه عطفا على