صحيفة، وإنما هو حفظ للحديث وتلق له من قائله جابر-رضي الله عنه-.
والظاهر مما سبق في ترجمة جابر أن هذا الأخذ كان في السنة التي جاور فيها جابر بمكة المكرمة، وكما قال أبو سفيان أنه جاور معه ستة أشهر في بني فهر، فلو أخذ عنه أبو سفيان وأبو الزبير كل يوم ثلاثة أحاديث لكان مجموع الأحاديث التي تلقياها تزيد عن خمسمائة حديث.
ومما يدل على أن الصحيفة التي يروها أبو الزبير عن جابر- رضي الله عنه - سماع وليست وجادة ما ورد في قصة الليث حيث قال: جئت أبا الزبير فأخرج لنا كتباً، فقلت: سماعك عن جابر؟ قال: ومن غيره. قلت: سماعك من جابر؟ فأخرج إلي هذه الصحيفة)) [1].
فانظر: إلى قوله ((سماعك من جابر)) فإنها تدل دلالة واضحة على أنها سماع [2]، فالصحيفة التي قدمها أبو الزبير للليث هي من سماعه هو عن جابر، وليست من صحيفة اليشكري. ورغبة مني في التأكد من أن ما يرويه أبو الزبير هو من صحيفة اليشكري كله، أو أكثره-كما قال ابن أبي حاتم-رأيت أن آتي بصحيفة اليشكري وأعرض أحاديثها على ما رواه أبو الزبير، وبعبارة أخرى أعرض روايات أبي الزبير على صحيفة اليشكري حديثاً حديثاً، فإذا وجدنا أن كل ما ورد في صحيفة اليشكري قد رواه أبو الزبير بنصه، كان هذا القول صحيحاً، وإذا وجدنا حديث أبي الزبير يختلف عما في صحيفة اليشكري كان هذا القول الذي ردده أهل السير والتراجم لا صحة له في الواقع.
ولكننا لما كنا لا نملك صحيفة اليشكري، فليس لنا إلى هذه المقارنة سبيل وليس لنا إلا روى سليمان بن قيس اليشكري في كتب السنة، وهو قليل، وقليل جداً، فليس له في الكتب الستة إلا ثلاثة أحاديث، وفي مسند الإمام أحمد ست [1] المعرفة والتاريخ 1/ 166/ والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 205. [2] قلت: ورغم هذا الوضوح لم يتنبه إليه الأستاذان: أحمد صويان ود. بكر أبو زيد-حفظهما الله-أن محمد بن سليم بن تدرس المكي ليس من رواة صحيفة جابر وجادة. وجاء الدكتور بطر بهذه القصة مستدلاً بها على ما ذهب إليه /158/ ولو أمعنا النظر، ودققا في ألفاظ الرواية لعلما أنها ليست من صحيفة جابر، فضلاً عن أن تكون وجادة، بل هي سماع.