نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 166
يفهم ـ أن الجنة التي أعدها الله للمتقين , وجعل عرضها كعرض السماء والأرض , تكون حقيقة تحت ظل السيف , وإنما يفهم أن الجهاد في سبيل الله ـ ورمزه السيف ـ أقرب طريق إلى الجنة , ولا سيما إذا كتب الله له فيه الشهادة.
ومثل ذلك قوله لمن أراد أن يبايعه على الجهاد , وقد ترك أمه وراءه في حاجة إلى من يرعاها: «الْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ [رِجْلِهَا]» [124].
فكل من له عقل يفهم أن حقيقة الجنة ليست عند رِجْلِ الأُمِّ , إنما يفهم أن بر الأم ورعايتها من أوسع الأبواب المؤدية إلى جنات النعيم.
وقد حكى عن بعض الصالحين أنه تأخر عن إخوانه يومًا , فسألوه عن ذلك فقال: «كُنْتُ أُمَرِّغُ خَدِّي فِي رِيَاضِ الجَنَّةِ , فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ أَقْدَامِ الأُمَّهَاتِ»!
ولم يفهم إخوانه منه إلا أنه كان في خدمة أمه وحياطتها , مبتغيًا بذلك مثوبة الله تعالى وجنته.
وحدثني الأستاذ مصطفى الزرقاء أن أستاذًا كبيرًا من أعلام القانون الوضعي في مصر , بل في العالم العربي , قال له يوما: إنه اشترى كتاب " صحيح البخاري " ثم فتحه مرة فوقع نظره على حديث يقول: «النِّيلُ وَالفُرَاتُ وَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ مِنْ أَنْهَارِ الجَنَّةِ» (*).
ولما كان الأستاذ يرى ذلك مخالفًا للواقع ـ إذ أن منابع هذه الأنهار معروفة لكل دارس , فهي نابعة من الأرض وليست من الجنة , فقد أعرض عن كتاب البخاري كله , ولم يفكر في مجرد تصفحه بعد , نتيجة لهذا الوهم الذي استقر في رأسه.
ولو تواضع هذا الرجل قليلاً , ورجع إلى أحد شراح " البخاري " , أو سأل أحد العلماء المتضلعين من معاصريه , لبان له الحق كالصبح لذي عينين , ولكن الكبر من أعظم الحجب عن رؤية الحقيقة.
وحسبي هنا أن أنقل رأي إمام من أئمة الثقافة الإسلامية في معنى الحديث [124] رواه أحمد والنسائي عن جاهمة كما في " صحيح الجامع الصغير ": (1249).
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) لم يرد ذكر نهري سيحون وجيحون في " الجامع الصحيح " للإمام البخاري - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 166