نظراً لعدم وجود بداية محددة للتأليف في هذا الفن خرج الحافظ ابن حجر من هذا كله بقوله: "فمن أول من صنف فيه القاضي الحسن بن محمد بن خلاد الرامهرمزي في كتابه (المحدث الفاصل) "، ويعتبره بعضهم هو أول المصنفات في هذا الفن، لكنه لم يستوعب، وهذا أمر طبيعي وعادي أن يكون أول من يؤلف لا يستوعب، ثم يأتي من بعده أهل العلم فيكملون ما بدأه من مشروع، ثم جاء بعده الحاكم أبو عبد الله فصنف المعرفة (معرفة علوم الحديث).
الأول قال عنه الحافظ: لم يستوعب، والثاني قال عنه: لم يهذب ولم يرتب، يعني الحاكم أبا عبد الله في (معرفة علوم الحديث)، وابن خلدون في مقدمته الشهيرة قال عن الحاكم: "إنه أول من هذب هذا العلم ورتبه"، أول من هذب هذا العلم ورتبه الحاكم فهل من اختلاف بين قول الحافظ وقول ابن خلدون؟ في اختلاف واضطراب وإلا ما في؟ نعم، هذاك قال: لم يهذب ولم يرتب، وقال هذا: أول من هذب هذا العلم ورتبه؟
أقول: لعل الحافظ -رحمه الله- نظر إلى من جاء بعد الحاكم فمن قارن كتاب الحاكم بما ألف بعده من كتب في علوم الحديث حكم على معرفة علوم الحديث أنه لم يهذب ولم يرتب، وابن خلدون نظر إلى ما كتب قبل الحاكم، ولا شك أن الحاكم أبدع في كتابه إذا نظرنا إلى ما ألف في الفن قبله، ترتيب وتهذيب وجمع لا نظير له إذا قسناه بما قبله.
ثم جاء الحافظ أبو نعيم الأصفهاني فعمل على كتاب الحاكم مستخرجاً. . . . . . . . . المستخرج على علوم الحديث، إيش معنى المستخرج؟ يعمد عالم من علماء الحديث إلى كتاب معتبر عند أهل العلم ويخرج أحاديث الكتاب بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب، وقد يستغلق عليه الأمر ويضيق عليه فلا يجد الحديث إلا من طريق مؤلف الكتاب وحينئذ هو بين خيارات ثلاثة -كما فعله أصحاب المستخرجات-: إما أن يعلق الحديث ويحذف الإسناد، أو يرويه من طريق صاحب الكتاب، أو يحذف الحديث.