علوم الحديث كغيره من علوم الآلة التي هي وسائل إلى علوم أخرى، علوم الحديث وسيلة يتوصل به إلى تمييز الصحيح من الضعيف من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو وسيلة وليس بغاية.
في أول الأمر لم تكن الحاجة داعية إلى التأليف المستقل في هذا العلم، ومثله علوم الآلة كلها، التي هي الوسائل أصول الفقه، علوم القرآن وقواعد التفسير، وعلوم العربية بفروعها العشرة المعروفة.
لما كثر اختلاط العرب بغيرهم، وبعدوا عن عصر الرسالة احتاجوا إلى قواعد وضوابط تعينهم على فهم الكتاب والسنة، ووجد هذا العلم مبثوثاً ومنثوراً في كتب الأئمة، في كتب الإمام الشافعي كالرسالة والأم، وكتب تلميذه الإمام أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني ويحيى بن معين والبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم، فوجدت هذه القواعد وهذه الضوابط التي يحتاجها طالب العلم لفهم السنن في الكتب المبثوثة.
واختلف أهل العلم في أول ما صنف في هذا العلم على سبيل الاستقلال، فمنهم من يقول: الإمام الشافعي في الرسالة، والرسالة وإن قال أهل العلم: إنها أول ما صنف في أصول الفقه، فهي أول ما دون في علوم الحديث، الرسالة يوجد فيها هذا وهذا، ولا انفكاك لعلوم الحديث من أصول الفقه، كما أنه لا انفكاك لأصول الفقه عن علوم الحديث.
وجد أيضاً في سؤالات الإمام أحمد فيما يسأله عنه تلاميذه كثير من قواعد هذا العلم، وما يتعلق بعلله ورجاله ثم في سؤالات يحيى بن معين، وعلل ابن المديني، وتواريخ الإمام البخاري -رحمة الله عليه-، وجامع أبي عيسى الترمذي فيه كثير مما يحتاجه طالب العلم, ولو قيل: إن أولى ما يتمرن عليه طالب العلم في معرفة المتون والأسانيد ونقد الرجال وتعليل الأحاديث جامع الترمذي لما كان بعيداً، فيه الأنواع كلها، ووجد في سنن النسائي التراجم التي ترجم بها على الأحاديث كثير من ضروب العلل وأصنافها.