وَمِنْ سُورَةِ (لَمْ يَكُنِ) الْبَيِّنَة
قوله تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ)
حركت (النون) من (لَمْ يَكُنِ) لالتقاء الساكنين، فإن قيل: لم لم ترجع (الواو) وهي إنما حُذِفت لسكون (النون) و (النون) قد تحركت؟ - قيل: حركة (النون) عارضة لا يعتد بها، فكأن السكون باقٍ.
وعطف (المشركين) على (أهل الكتاب)، والتقدير: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ومن المشركين، وقيل: لا يجوز ذلك؛ لأنَّ المشركين كفار. وأهل الكتاب قد لا يكونون كفارًا، ولكنه مفعول معه. أي: مع المشركين، ويدل على صحة هذا التأويل: أنّ عبد الله بن مسعود قرأ: (لم يكُنِ المشركونَ وأهلُ الكِتابِ مُنفَكّين)، وقل: بل يجوز أن يعطف (المشركين) على (أهل الكتاب)؛ لأنَّ (من) لإبانة الجنس، كما تقول هذا ثوبٌ من خزٍّ؛ لأنّ الكفار قد يكونون من غير أهل الكتاب ومن غير المشركين، وهو كقوله: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ)؛ لأنَّ الرجس قد يكون غير الأوثان.
قال الفراء: يريد بقوله:. (مُنفكين) أي: لم يكونوا منتهين حتى تأتيهم البينة، وهي بعث محمد صلى الله عليه، قال: وقال آخرون: لم يكونوا تاركين صفته في كتابهم أنّه نبي حتى ظهر، فلما ظهر تفرقوا واختلفوا، ويصدق ذلك (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ).