ولذلك كانت الهداية والدلالة بها على الله ودينه قليلة جدا، ولذا نرى كثيرا منهم يتركون الصلاة، وينقرونها نقرا، مخلين بها، ويرتكبون الكبائر من المحرمات، فقطعا هم لم يذوقوا طعم القرآن، والله لو ذاقوا طعمه وحلاوته ولذة مناجاته تعالى لما وقعوا فى محارم الله، ولأداهم ذلك إلى الجهاد فى سبيله ليلا ونهارا، سرا وجهارا، وخصوصا فى عصرنا هذا الذى سالت فيه سيول الفتن والأضاليل، وكادت عواصف الملحدين والزائغين والمبتدعين تنسف أنوار الهداية المحمدية نسفا.
وهذا هو مقتضى القرآن والإيمان، فإن الله تعالى يقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات: 15]، فليس صادقا فى إيمانه من لم يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه، وأى جهاد أعظم من دعوة الناس جميعا إلى الاستمساك بالقرآن ونواهيه بالحكمة والموعظة الحسنة، وإلا فبالعنف والشدة، كما قال تعالى: جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة: 73] الآية.
فلما لا تظهرون للناس عجائب القرآن السامية، ومعجزاته الهادية، وعلومه العالية، وقصصه الوعظية، وسياسته الاجتماعية، وإدارته المدنية بأساليب الإقناع العصرية، التى انتهجها أخوكم صاحب المنار فى تفسيره، وفى كتابه الوحى المحمدى، الذى أظهر فيه علوم القرآن ومعجزاته ما يحتاج إليه العالم الإنسانى، فتضاربون بأعاجيب كتاب ربكم، وسنن نبيكم، وحلاوة فصاحتكم، وعذوبة بلاغتكم، أعاجيب السينمات والتياترات واللونباركات ومسارح الرقص والغناء، إنكم لما أعرضتم عن تعليم وإرشاد وجهاد أبنائكم وإخوانكم، أعرضوا عنكم وانصرفوا إلى ملاذهم وشهواتهم، فاللوم عليكم.
ثم لماذا لا تكاتبون حكومتكم الإسلامية بذلك؟ لماذا لا تتخذون رؤساء الحكومة إخوانا لكم، فترغبون فى القرآن والإيمان ورضاء الرحمن؟ وجنة عالية قطوفها دانية؟
وترهبونهم من ترك القرآن ومعصية الرحمن، ومن نارٌ حامِيَةٌ [القارعة: 11] ومن سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ [الواقعة: 42 - 44]، إنكم لو فعلتم ذلك لوجدتم وفاقا، واتفاقا، وألفة، ومحبة، ومودة بين سائر المسلمين، فلما لم تفعلوا أحل بنا ما حل، فأنتم المسئولون بين يدى ربكم عن ضياع هذه الأمة بسبب إعراضكم عن كتاب الله.
السبب الثانى: مرتباتهم الضخمة، وجراياتهم الكثيرة، فإن الذين يأخذون خمسين وستين جنيها، إلى تسعين ومائة، إلى خمسمائة وستمائة، مرغمون ومضطرون إلى تنميق