فليس له أثر، حتى ولو أنفق فى مجال الخير.
ومن المفسرين من جعل هذا فيما ينفقونه فى عداوة النبى صلى الله عليه وسلم ومقاومة دعوته، سواء كان المنفقون هم مشركى مكة، أو اليهود، أو المنافقين، رياء أو تقية، وقد وصف الله هؤلاء الذين أهلكت الريح حرثهم بأنهم ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ عقوبة لهم؛ لأنهم اختاروا لأنفسهم الضلال، أو إفادة أن المنفقين لا يستفيدون شيئا؛ لأن حرث الكافر يذهب، ولا منفعة له فيه فى الدنيا والآخرة، بخلاف حرث المؤمن، وبذلك يتقرر أن لا جزاء على عمل، وأن لا قيمة لعمل إلا إذا ارتبط بمنهج الإيمان، أو باعثه الإيمان.
وهناك شىء آخر نستفيده من هذا المثل القرآنى، أن الكوارث والمصائب قد تحل بأموال الناس من إهلاك حرث، أو فقدان نسل، عقوبة على ذنوب اقترفوها، أو نتيجة لأسباب خلقها الله بحكمته تبعا لارتباط الأسباب بالمسببات، مثل ما حل بالسابقين من طوفان مغرق، ونار محرقة، وإهلاك بالجراد، والقمّل، والضفادع. حقا وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [آل عمران: 117]، صدق الله العظيم.
ومن هذا التتابع فى الآيات القرآنية نرى احتفال القرآن بالجانب المادى الذى ينفع الفرد والمجتمع، والحياة بكل متطلباتها، فالقرآن قد نزل لبشر فيهم القوة والضعف، والغنى الفقر، وذلك ليتسامى بهم عن شهوات النفس ولذائذها إلى ما هو أسمى، من جعل المال فى خدمة الإنسان، وتحرير الإنسان من ربقة المال.
والإيمان بإله واحد، يستلزم بأن الكون له قواميس ثابتة، وأن البحث وراءها يؤدى إلى الإيمان بالقدرة الإلهية المسخرة لهذا الكون، والخضوع لكل ما يأمر به الله من أوامر لصالحه، فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ [البلد: 11 - 16].
وقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فيهم الأغنياء والفقراء، جمعتهم معا آصرة الأخوة، يؤاكلونهم ما يأكلون، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الحشر: 9] على حين كان معسكر قريش على خلاف ذلك، واشتد الصراع بين المعسكرين حتى كانت النصرة للدين الجديد الذى لا يعترف بالتفرقة، أو التمييز لأحد على آخر إلا بمقياس التقوى والعمل الصالح.
ونزلت فى ذلك المعسكر القرشى وزعمائه آيات القرآن الكريم: أَرَأَيْتَ الَّذِي